بداية، من المعلوم أنّ ثقافة الورقة البيضاء في نظام التصويت غير منتشرة في بلادنا وحتى في العالم عموما. وتعكس في عديد الأحيان عجز الناخب عن الاختيار جرّاء الأمية أو عدم الاطلاع وعدم الالمام بالمترشّحين…
بقلم الأستاذ سليم بن عرفة *
ففي تونس وإن يقرّ نظام التصويت بالصوت الأبيض أو الفارغ، لكنّه يبقى غير معترف به حيث لا يحتسب في الحاصل الانتخابي ومصيره مثل مصير الأوراق الملغاة أو الامتناع عن التصويت، ولا يعتبر صحيحا إذ ينصّ المحضر الرسمي للانتخابات في أيّ دائرة على عدد الأوراق الصحيحة بمعنى عدد الأوراق المستخرجة يطرح منها عدد الأوراق البيضاء والملغاة. وذلك خلافا لما يعتمد في السويد البلد الأوروبي الوحيد الذي يعترف رسميا بالصوت الأبيض، وكذلك في البيرو حيث الانتخاب واجب قانونا وتلغى نتائج الانتخابات إذا تجاوز عدد الأوراق الملغاة والبيضاء ثلثي عدد الأصوات المصرّح بها.
الدعوة إلى الصوت الأبيض تضعف الديمقراطية التمثيلية
إنّ الصوت الأبيض كتعبير عن خيبة تجاه العرض وكحركة مواطنية لا يمكنه أن يحرج أو يقدح في الشرعية الشعبية إذا لم يكن كاسحا وأغلبيا.
كما أنّ الدعوة إلى الصوت الأبيض تدفع نحو العزوف أكثر عن المشاركة واضعاف الديمقراطية التمثيلية إذ في غياب رهان ملموس لن يتكبّد القوم عناء الذهاب إلى الاقتراع.
إضافة إلى ذلك أنّ الورقة البيضاء ليست في منآى عن التلاعب والتزوير في ظلّ ضعف المراقبة.
إنّ الدعوة إلى الصوت الأبيض هي مقاربة نخبويّة تعمّق عزلة “الثقفوت” بوعي أو دونه عن النّاس والجماهير الذين يخطبون ودّهم. فلا تغيير دون العمل في أوساط الشعب ومعه وعلى قدر خطاه.
من المطلوب ألاّ نسقط في موقف المتفرّج السلبي تجاه المعارك الوطنية، ونترك الناخب دون بوصلة، تتقاذفه الحملات التحريضية والدعائية الرخيصة.
إنّنا أمام استحقاق لاستكمال الاختيار ضمن العرض الذي قدّم في الدور الأوّل من الانتخابات الرئاسية. وليس من المسؤولية أن نقف في منتصف الطريق وسلوكنا لا يمكن أن ينحدر إلى رداءة الخاسرين.
إنّ الموقف، حسب رأيي المتواضع، يحدّده التقييم الدقيق لكلا المترشّحين الاثنين للدور الثاني للانتخابات الرئاسية والكشف بالتالي عن المخاطر المحدقة بشعبنا ودولتنا وخاصّة ترتيب التناقضات تجاههما.
فالحرب على الفساد هي حجر الزاوية في معاركنا والانتصار للسلطة القضائية المستقلّة والذود عنها تجاه الحملات المسعورة التي صمّت آذاننا من شتّى المستويات سواء في داخل البلاد أو خارجها، ومن عديد الهيئات الرسمية أو غير الرسمية في المجتمع المدني والسياسي.
قطع الطريق أمام من هو موصوم بالفساد والافساد ولا تزال تلاحقه العدالة لشبهات مؤكدة
إنّ مصداقيّتنا تحت المحكّ وكلّ موقف ملتبس سينخرها.
فلا تطبيع مع التهرّب الجبائي وتبييض الأموال وتهريبها والتضليل والتحيّل والمتاجرة بآلام الفقراء والتفريط في السيادة الوطنية خاصّة وقد أصبحت للأسف للمترشّح نبيل القروي كتلة هامّة وأساسية في مجلس نواب الشعب وآلية حزبية تعزّز مواقعه وتفسح له المجال لإفساد الحياة السياسية والفضاء الإعلامي.
وبالتوازي، وليس تناسب، لا أنكر مخاطر الأطروحات الارتجالية الفوضوية التصفوية للمترشح قيس سعيّد والساعية إلى دفعنا إلى مستنقع مراجعة الدستور والتراجع عن بعض المكاسب خاصّة منها المتعلّقة بالحقوق والحرّيّات الفردية، وتفكيك وحدة الدولة الوطنية. كما لا يفوتني التوجّس ريبة من بعض الأطراف التي هرولت نحوه في الوقت البديل لتمرير مشروعها النكوصي عبر حملته.
هذا كلّه لا يخفي علينا أسره في برج عاجي وافتقاده إلى قوّة سياسية مخلصة له وفاعلة، يجعل من أفكاره الخطيرة مجرّد صيحة في وادي لا أثر لها يذكر في قلب واقعنا.
إنّ الموقف المنشود اليوم لا يمكن أن يتّسم بطابع ذاتي أو بترف نادي فكري، بل ينبع من الناس وإليهم ويثمّن مبادئ الثورة ونزعة الطهرية التي تبقى ضرورية في أخلقة السياسة رغم أنّها ليست كافية، وحرصا على تفادي السيناريو الأسوأ، أدعو إلى قطع الطريق أمام من هو موصوم بالفساد والافساد وكانت ولا زالت تلاحقه العدالة لشبهات مؤكدة حتى لا نخدش شرف المسؤولية الأعلى في الدولة التونسية رئاسة الجمهورية وحتى لا نجلب لنا المعرّة أمام أنفسنا وأمام أنظار العالم.
* ناشط سياسي.
شارك رأيك