تأني بتونس كما تتشارك في عدد أحرف اسمها (أربعة أحرف) مع عدد أحرف يوسف ويونس هي كذلك تتشارك معهما في التضرر والتحرر؛ فالأول عليه السلام من ضرر قومه مرورا بظلمات الليل والبحر وصولا إلى التحرر من بطن الحوت، والثاني عليه السلام من ضرر كيد الإخوة مرورا بكيد النساء وصولا إلى التحرر من السجن والتمكين.
بقلم ذ. عبد الكريم الفصال
منذ وقوع تونس الخضراء في أغلال الاحتلال الفرنسي الغاصب أواخر القرن 19 من تاريخ النصارى، وهي في ظلمات الغم والهم كصاحب الحوت مكظومةً مذمومة، بالعراءِ منبوذة، بعدما كانت قَـيروانها ثاني مدينة إسلامية في شمال إفريقيا سنة 50 هــ؛ لتذبل بعد ذلك شجرة يقطينها الحمراء، وتمرض شجرة زيتونها الخضراء، وتُصابَ ” سوسة” بالسُّـوسة، وتتحولَ ” قابس” إلى عـابِـس، وتَـتُـوهَ “أريانة” عُـرْيانة، وتُـفَـقَّـصَ “قفصة” فَـقْـصَة، وتُـدفـنَ “القصرين” في قـبريـن..ز
حينها أصبحت تونس لا تؤنِـس ولا تُـؤنَـس، وصارت أرضها كظلمات في بحر لُـجِّـيٍّ يغشاه موج من فوقه موج من فوقه سحاب، ظلمات فوق بعض إذا أخرج يده لم يكـد يراها من كثرة الفساد؛ فكأن تونس حينها تتخبط بين ثلاث ظلمات: ظلمةُ الـقـرْب (خونة تونس) وظلمة العُـرْب (خونة العَـرَب) وظلمة الغَـرْب (خونة الإنسانية والسلام).
ولأنه كلما ضاق الكرب انفرج، وكلما اشتد سواد الليل انفجر، ولأنه كُـتب في الزبور مِـن بعد الذكر أن الأرض يرثها العباد الصالحون؛ كَـتَـبَ الله لأرض تونس بعد ثورة الياسمين سنة 2011 أن تزرع الوعي أربع سنين دأبا، فما حصدوه إلى غاية سنة 2014 وضعوه في سُنـبـلِـه إلا قليلا ما يأكلون؛ لتأتي من بعد ذلك أربعٌ شِـدادٌ (2015-2018) تأكل ما قدمه الشعب التونسي من تضحيات، وتصير ياسمينات الربيع الخضر يابسات، والثورات السِّـمان تأكلهن الرئاسيات العِـجاف.
ثم يأتي من بعد ذلك عام 2019 فيه يُـغاث الناس وفيه يُـصَـوِّتون؛ فَحَصْحَص الحق وفاز قيسٌ وإنه لمن الصادقين؛ إذ قال قيسٌ : “يا تونس إني رأيت إحدى وعشرين (عدد الدول العربية باستثناء تونس) كوكبا والشمس والقمر (أمريكا وإسرائيل) رأيتهم لي بالمرصاد قاعدين”. فيا قيس لا تأمَـنَـنَّ إخوتك فيكيدوا لك كيدا، إن العدل والصدق لهم عدو مبين.
فكيف وهم عُصبة في ظلم واستبداد مبين، سيقولون أخرجوا أهلَ تونس من جامعتكم إنهم أناس يتطهرون. وسيقول ثالثهم اقتلوا قيسا واطرحوا تونس أرضا يَـخْـلُ لكم وجه إسرائيلكم وتكونوا من بعده قوما صالحين. ويقول رابعهم لا تقتلوا قيسا وألقوه في غيابات الإرهاب تلتقطه سفارة أمريكا إن كنتم فاعلين. وسيقول كلبهم بِـيـعوه بثمن بخس دراهم معدودة وكونوا فيه من الزاهدين. وسيقول قِـرْدُهم انقلبوا عليه وارموه في السجن يَـكُـن من الهالكين… وسيعلم الذين ظلموا أي منقلب ينقلبون.
فما كان من التونسيين إلا أن أكرموا مثواه وأسعدوه، وتطوعوا معه وأعانوه على تحمل المسؤولية التي كُـتبت عليه وهي كره له؛ فلما بلغ أشده آتاه الله حكم تونس وكذلك يُجزى المحسنون.
وكأني بتونس كما تتشارك في عدد أحرف اسمها (أربعة أحرف) مع عدد أحرف (يوسف ويونس) هي كذلك تتشارك معهما في التضرر والتحرر؛ فالأول عليه السلام من ضرر قومه مرورا بظلمات الليل والبحر وصولا إلى التحرر من بطن الحوت، والثاني عليه السلام من ضرر كيد الإخوة مرورا بكيد النساء وصولا إلى التحرر من السجن والتمكين.
فيا أهل تونس الخضراء، ويا شعب تونس الحكماء، وأبناءها العلماء، ونساءها ورجالها الشرفاء، وشبابها العظماء، وأطفالها الأبرياء؛ احفظوا وطنكم، وتشبتوا برئيسكم؛ فإنه ليحزنني أن ينقلبوا عليه أو يغتالوه، وأخاف أن تأكله الذئاب وأنتم عنه غافلون، فلئن أكلته الذئاب وأنتم عصبة إنكم إذا لخاسرون.
* طالب باحث في سلك الدوكتوراه بجامعة القاضي عياض – المغرب.
شارك رأيك