الشعب التونسي لم ينتخب النهضة لكي تغنم من ترف الحكم بل لكي تسعى فعلا لخدمته، لا لتبقى مكتوفة الأيدي بل لتحقيق مطالبه، وترتيب أولوياته، وفتح الملفات الساخنة بكل جرأة، والتحقيق في مزاعم الفساد والحد منها.
بقلم فوزي بن يونس بن حديد *
من المعلوم أن حركة النهضة قد وجدت الفرصة المناسبة للانخراط في الحكم بعد الثورة المباركة التي قضت على الديكتاتورية في تونس في 2011، وانخرطت كحزب سياسي في العملية السياسية وتُوّجت بتأييد كبير من الشعب التونسي آنذاك والدليل على ذلك ما حظيت به من أرقام كبيرة في البرلمان التونسي الذي أسس دستورًا ثانيًا للبلاد، وأحدث نقلة نوعية في النظام السياسي رغم سلبياته المتعددة، لكنها لم تثبت للشعب التونسي رغم هذا التأييد الواضح والكبير أنها قدّمت له شيئا يذكر على المستويات وفي المجالات كافة.
النهضة لم تظهر الشجاعة الكافية في مقاومة الفساد
انتظر الشعب التونسي 9 سنوات ليحصل على حقوقه المشروعة لكنه يبدو أنه يئس من محاولات حركة النهضة التي بدت ضعيفة جدا في أدائها السابق خاصة في الفترة التي تلت الاتفاق غير التاريخي مع الباجي قائد السبسي والتي توجّست خلاله من الوقوع في الفخّ كما وقع الإخوان المسلمون في مصر، وبقيت مترددة بين الإقدام والإحجام، لم تستطع أن تخترق جدار التغول اليساري آنذاك الذي كان لها بالمرصاد ويتحرك بكل قوته إلى الإطاحة بها لأنها تمثل بالنسبة إليه المسار الرجعي المتشدد الذي سيرجع تونس قرونا إلى الوراء فيما لو اتخذت النهضة قرارات جريئة.
ولم تكن النهضة تعلم أن الشعب التونسي لا سيما الشباب بدأ يمقت أفعالها وتصرّفاتها لأنها لم تُظهر الشجاعة الكافية في محاربة الفساد وتوفير مواطن الشغل عند الشباب وتذليل العقبات والصعوبات، ولم تستطع أن تُوجد الطريقة المثلى للوصول إلى قلوب الناس، ولم يكن لها برنامج واضح تسير عليه في كل المجالات، ولم تكن تتوقع يوما أن تجد نفسها أمام فوهات السياسة والحكم، ولم يكن لديها رجال سياسيون كبار لديهم الخبرة الكافية لمواجهة التحديات، زد على ذلك لم يكن لديها من يدعمها في الخارج من الدول الكبرى، مع حملات إعلامية قاسية ضدها من السعودية والإمارات، وغيرها من البلدان، ولا تملك من أدوات الإعلام شيئا، كل ذلك وغيره جعلها في ورطة حقيقية اليوم وفي امتحان عسير أمام الشعب التونسي، فإن نجحت دعمها واسترجع ثقته فيها، وإن فشلت تصبح هي الأخرى ورقة محترقة سيحرقها الشعب التونسي لا سيما فئة الشباب التي لا تؤمن اليوم إلا بالحرية والكرامة والعدالة، ولذلك لقيت بغيتها في الرئيس قيس سعيّد عندما أعلن ترشحه للرئاسة، فقد أحسّ الشباب التونسي أن سعيّد صادق في قوله وأمين في عمله ومتقن للغته لا ينتمي إلى أي حزب في تونس لذلك انتخبوه بقوّة واستمرّوا في دعمه إلى اليوم خاصة أنه تعهد بمحاربة الفساد والعمل على تحقيق أحلامهم.
الفرصة الأخيرة لاستعادة ثقة الشعب التونسي
وبعد الانتخابات التشريعية حصدت النهضة على أكبر عدد من المقاعد لكنها غير كافية لتشكيل حكومة مريحة يمكن من خلالها تمرير مشاريعها، وهي اليوم قد حظيت بفرصتها الأخيرة لتثبت جدارتها، ولتقول للشعب التونسي أنا معكم أستمع إليكم وسأحلّ مشاكلكم وسأعمل من أجلكم ومن أجل تأمين الثروات وتأميمها، ومن أجل توفير الوظائف والحياة والكريمة لكل فرد من أفراد المجتمع، ومن أجل توصيل الخدمات الأساسية إلى كل شبر من تراب تونس من أقصى الشمال إلى أقصى الجنوب، ومن أقصى الشرق إلى أقصى الغرب، وسأطلق مبادرات جديدة بعيدا عن الحزبية والطائفية والمذهبية وكل مقوّم يمكن ان يساهم في تشتيت الشعب التونسي، وإذا لم تفعل كل ذلك فإن الشعب وخاصة الشباب سوف يعاقبها بالتأكيد، لأن نظرية السيد قيس سعيّد هي أن يحاسب الشعبُ المسؤولَ، وجاء الوقت لكي يحاسب الشعبُ المسؤولَ، فإن أي مسؤول يرى نفسه أنه غير قادر على تحمّل الأمانة والمسؤولية عليه أن يستقيل فورا وأن تسند المسؤولية إلى غيره من الأكفاء القادرين على بلورة آمال الشعب إلى حقيقة.
النجاح في البحث عن الكفاءة لا عن الولاء الحزبي
فرصة النهضة الأخيرة أن تبحث عن الكفاءة لا عن الولاء الحزبي، وأن تحاول أن لا تنجرّ إلى تفاهمات خارج الإطار، وأن تسعى فعلا لخدمة الشعب التونسي، فالشعب عندما اختارها لا لتبقى مكتوفة الأيدي بل لتحقيق مطالبه، وترتيب أولوياته، وفتح الملفات الساخنة بكل جرأة، والتحقيق في مزاعم الفساد والحد منها، هذا ما يريده الشعب حتى لا يطالبها يوم بالرحيل قبل أن تكمل مشوارها السياسي.
* صحفي و محلل سياسي.
شارك رأيك