في تدوينة نشرها المحامي و القاضي الاداري و كاتب الدولة السابق في حكومة مهدي جمعة اليوم الخميس 19 ديسمبر، تحدث عبد الرزاق بن خليفة عن مخاطر فصل الضابطة العدلية عن وزارة الداخلية.
وكتب في تدوينته :
” لا أريد أن يمر موضوع فصل الضابطة العدلية عن وزارة الداخلية دون أن ادلي برأيي في حدود ما يسمح به واجب التحفظ..
الضابطة العدلية وخلافا للضابطة الإدارية هي جهة مكلفة بأعمال بحث وتحري واعمال فنية و إدارية اخرى تحت توجيه السلطة القضائية..
أما الضابطة الإدارية فهي التي تتدخل في مجال حفظ النظام العام بتوجيه من السلطة الإدارية دون تدخل من السلطة القضائية… (تنظيم المرور…مواجهة أعمال الشغب…حملات أمنية.. الخ).
الأشكال يكمن في ازدواجية اسلاك قوات الأمن الداخلي…فهم طورا ضابطة إدارية وطورا آخر ضابطة عدلية…
فيمكن لعون أمن ان ينتمي إلى فرقة الشرطة العدلية أو عون حرس إلى الابحاث و التفتيش… ثم تتم دعوته لتعزيز الامن في مقابلة رياضية..
الشرطة الإدارية تتبع عضويا ووظيفيا وزارة الداخلية فيما تكون الضابطة العدلية تابعة عضويا لوزارة الداخلية و وظيفيا فقط للسلطة القضائية…
علما وان المشرع ضبط على وجه الحصر قائمة الجهات التي تتمتع بصفة الضابطة العدلية..منهم من يتبع الداخلية ومنهم من ينتمي إلى وزارات أخرى مثل أعوان الغابات والمالية و التجارة. الخ… (فصل 10 م إ ج).
من المتعارف عليه في العلوم الإدارية ان الانتماء العضوي للموظف لهرم اداري وخضوعه إلى سلطة رئاسية pouvoir hiérarchique هو جزء من نجاعة العمل الاداري..
فلا يمكن أن يؤدي الموظف واجبه وتنفيذ تعليمات رئيسه مالم يكن خاضعا لسلطة التقييم(الاعداد) و المكافأة والتأديب…
وهذا ما يفسر مثلا العلاقة المتوترة بين الشرطة البلدية و البلديات…
الا ان الوضع يختلف بخصوص قوات الأمن الداخلي… لما تتقمص صفة الضابطة العدلية… ضرورة ان من أعمال الضابطة العدلية ليس فقط البحث المكتبي والسماع ولكن أيضا مجموعة من الأعمال الأخرى في علاقة بالتفتيش والايقاف وغيرها من الأعمال… التي تقتضي استعمال القوة..
وهي أمور لا تتم الا صلب منظومة أمنية متكاملة تضم عديد الفرق المختصة… التي يجمع بينها السر المهني بحكم وحدة الانتماء…ووحدة العقيدة ووحدة التحكم في الوسائل المادية و البشرية… (أعمال مداهمة بإذن من النيابة تقتضي تدخل عديد الفرق بما في ذلك أعوان ليس لديهم صفة الضابطة العدلية… )…
وهذا التشابك في تعاون مختلف الفرق الأمنية في تنفيذ مهام الضابطة العدلية يجعل من وجود هذه الأخيرة ضمن اسلاك قوات الأمن الداخلي ضرورة وفي ارتباط عضوي بها…
وعلى سبيل المقارنة… من نقاط ضعف أعوان التراتيب البلدية سابقا انها لم تكن تتمتع بصفات “قوة القهر” la force de coercition لكونها مجرد سلك مدني واداري…وكذلك الأمر بالنسبة لحراس الغابات رغم دورهم الأمني فانهم يتبعون وزارة الفلاحة وقد بينت التجربة ان سلك حراس الغابات يعاني من ضعف هيكلي لعدم تمتعه بمواصفات القوة الضاربة..
وكان أحرى ان يكون جزءا لا يتجرأ من سلك الحرس الوطني… حتى يحمل عقيدة أمنية تخول له القيام بمهامه… خاصة وان سلك قوات الأمن الداخلي مبني على سرية المعلومة وليس من السهل عليه التعامل مع اسلاك خارجة عنه لم تنشأ وفق عقيدة أمنية واحدة.وعودا إلى الشرطة البلدية… ليست المعضلة في ادماجها بقوات الامن الداخلي.. والذي يعتبر مكسبا في اتجاه اعطائها صفة القوة الضاربة.. ولكن في كيفية وطرق توظيفها…(تكليفها بأعمال أخرى خارج إطار الشرطة البلدية… وجود مظاهر فساد…خلل في العمل البلدي في سياسة زجر المخالفات العمرانية… والنقص في آليات التنفيذ)..
ما يخشى من فصل الضابطة العدلية عن الداخلية… كسر تلك العلاقة المتشابكة بينها وبقية وحدات الامن والتي تنصهر جميعا في عقيدة أمنية واحدة و إمكانيات لوجستية متكاملة.. لن تكون متاحة في حالة الفصل والأخلاق بوزارة العدل…
مما قد يضعف عملها ويخلق اشكاليات تعاون بناء بين جهازين تابعين لوزارتين مختلفتين…
كما أن إصلاح المنظومة التي تعاني من عديد النقائص لا يجب أن يكون مسقطا…بل وفق منهجية يشارك فيها المعنيون بالأمر بما لديهم من خبرة و راية بالاشكاليات الميدانية وبمشاركة السلطة القضائية…”
شارك رأيك