عبير موسى، رئيسة الحزب الدستوري الحر، هي المؤهلة الأولى و بصفة فعلية، بحكم موقعها في الساحة السياسية في تونس، لقيادة المعارضة ضد حكومة النهضة مهما كانت مكوناتها، سوى كانت مع قلب تونس أو مع التيار-الشعب-تحيا. لكن هل يمكن أن تستفيد عبير موسي من هذا اللقب؟
بقلم نضال بالشريفة *
المعارضة السياسية يمارسها أفراد من خارج السلطة هدفهم الأساسي هو الوصول لها، و يستعملون في هذا كل الأساليب القانونية منها توجيه الانتقادات للحكومة و فضح تجاوزاتها و بطبيعة الحال تقديم البدائل للشعب قصد إقناعهم بضرورة مساندتهم. وتوجد عدة أشكال لهذه المعارضة من أهمها المعارضة البرلمانية، و لها زعيم يقودها.
في بعض الدول، خاصة الانجلوساكسونية، مثل المملكة المتحدة، جعل لزعيم المعارضة منصب و لقب رسمي يحمله زعيم الحزب الأكبر في المعارضة، لكن هل يمكن تطبيق هذا المعيار في تونس؟ حتما لا و لعدة أسباب سنعود إليها لاحقا، لكن ما يمكن قوله ان الوحيدة التي لها شرعية حمل لقب زعيم المعارضة هي بدون شك النائب عبير موسي و سأبين لكم لماذا.
الدستوري الحر هي الأقوى صوتا وقولا و فعلا في المعارضة
كما قلنا، في بريطانيا زعيم المعارضة هو زعيم الحزب المعارض الأكثر عددا، و هذا أمر عادي حيث أن بريطانيا تعتبر من الدول التي تحكمها ثنائية حزبية حيث يوجد حزب رئيسي في الحكم و حزب رئيسي في المعارضة، هذا غير موجود في تونس خاصة إثر انتخابات 2019 التي انتجت قوي برلمانية قريبة جدا من بعضها البعض، حيث نجد الكتلة الأولى في البرلمان (النهضة) لها 54 نائبا و الكتلتين اللتين بعدها لديها 42 (الكتلة الديمقراطية) و 38 (كتلة قلب تونس) ثم تأتي كتل ائتلاف الكرامة (21) الدستوري الحر (17) الإصلاح الوطني (15) تحيا تونس (14) و أخيرا كتلة المستقبل (8).
من الواضح النهضة ستكون قاطرة الحكومة المقبلة و لن تكون في المعارضة، بقى من هم شركاؤها الذين سيصوتون معها لصالح الحكومة؟ بالإمكان استبعاد كتل الكرامة و المستقبل لأنهما أعلنا أنهما سيصوتان لصالح الحكومة، بخصوص الكتلة الديمقراطية فمواقف مكوناتها الأساسية، أي التيار و الشعب، فمواقفهما متذبذبة و غير واضحة و من الوارد ان يكونا في الحكم، نفس الشيء لكتلة تحيا تونس التي أصبحت مقربة بشكل كبير من هذه الكتلة، أما كتلة قلب تونس فهي أعلنت أنها ستصوت لصالح الحكومة و ان كانت مشاركتها فيها، على الاقل بشكل مباشر، مستبعدة.
إذا لم تبقى الا كتلة الدستوري الحر التي هي قولا و فعلا في المعارضة، فالحزب قبل الانتخابات أعلن انه في صورة حصول النهضة على المرتبة الأولى فإنه سيكون في المعارضة لرفضه مشاركة الإخوان السلطة، و هو بهذا يكون تقريبا الحزب الوحيد الذي أوفي بوعوده لناخبيه. هذا بالإضافة إلى أن الدستوري الحر هو التشكيلة السياسية الرئيسية المعارضة للمنظومة الحالية القائمة على تقاسم السلطة بين العلمانيين و الاخوان، و معارضته لهذه المنظومة لا تقتصر في البرلمان، بل كذلك على الميدان في الشوارع و الفضاءات الاجتماعية.
السلطة نفسها تعتبر عبير موسي المعارض الأساسي لها
الان لنشخصن الموضوع قليلا، لماذا عبير موسي و ليس غيرها؟ أولا عبير موسي أعلنت رفضها للتعامل مع النهضة من قبل الانتخابات، و قد أصبحت بفعل تصريحاتها النارية و تحركاتها ضد الإخوان في القضاء و في الشارع عدوتهم اللدودة و هذا ما يمكن ملاحظته في تصريحات قيادتهم الذين يعتبرونها فاشية و إقصائية و استئصالية و حتى عند ردود فعل قواعدهم و أنصارهم حيث أصبحت عبير موسي و الحزب الدستوري الحر الهدف الرئيسي لتهجماتهم و إشاعاتهم، ثانيا تواصل الرفض الراديكالي لموسى تجاه النهضة حتى بعد الانتخابات، و قد شاهدنا هذا من الجلسة الأولى حيث رفضت كتلة الدستوري الحر أداء اليمين أمام رئيس الجلسة راشد الخريجي، ثم وصلت درجة العداء بين هذه الكتلة و كتلة النهضة إلى حد تهجم النائبة النهضوية جميلة الكسيكسي على زملائها من الدستوري الحر بكلام نابي واصفة اياهم ب”الكلوشارات” و “الباندية” و هو ما جعل هؤلاء يعتصمون بالمجلس لمدة خمسة أيام كاملة داخلة قبة إلى حين اقتلاعهم لإدانة رسمية من رئاسة المجلس لتصريحات الكسيكسي.
و من المؤكد ان المواجهات بين كتلة الدستوري و كتلة النهضة و كذلك حلفائها خاصة كتلة إئتلاف الكرامة ستتواصل.
ثالثا و ربما الأهم، عبير موسي لها خصال لا توجد بكثرة بين بقية النواب، حيث تمتع بفصاحة بليغة و قدرة عالية على المحاججة و بناء خطاب سياسي قادر على الإقناع، كذلك لها شجاعة و قوة شخصية و تمسّك بالمبادئ اعترف لها به أعداؤها و خصومها قبل أنصارها، هذه الخصال زاد في إشعاعها ضعف خصال قادة بقية الأحزاب، فغازي الشواشي الذي يقود الكتلة الديمقراطية او نبيل القروي الذي يقود قلب تونس لا يمكن لهما ان يقنعا الناخبين بأنهما زعماء للمعارضة، فكلاهما تقربا بشكل كبير للنهضة خلال المدة الماضية.
كل هذا يجعل من عبير موسى مؤهلة بصفة فعلية لقيادة المعارضة ضد حكومة النهضة مهما كانت مكوناتها، سوى كانت مع قلب تونس أو مع التيار-الشعب-تحيا. لكن هل يمكن أن تستفيد عبير موسي من هذا اللقب؟ فكما نعلم جميعا كان حمة الهمامي يوصف بزعيم المعارضة زمن حكم التوافق، فماذا كسب؟ لا شيء، بالعكس خسر كل شيء و مني بهزيمة قاسية جدا في الانتخابات التشريعية و الرئيسية الاخيرة. فهل ستكون موسي أذكى منه؟ سنرى.
* طالب سنة أولى ماجستار قانون أنجلو-أمريكي بكلية العلوم القانونية بتونس.
شارك رأيك