نشر الفيلسوف التونسي أبو يعرب المرزوقي على صفحته الرسمية بشبكات التواصل الإجتماعي “الفايسبوك” تدوينة، أفاد فيها أن أغلبية النوّاب سيمنحون الثقة لحكومة إلياس الفخفاخ.
و قال المرزوقي (المستشار السابق في حكومة حمادي الجبالي سنة 2012)، أنه لا يعترض عن شخص توافق عنه نواب الشعب، متطرّقا إلى مفهوم الأقدر الذي فسّره بالأقدر على تشكيل الحكومة للخروج من مأزق الفراغ الحكومي الذي عجز المجلس على تشكيل و ضمان حزام يمكّن من سن القوانين الضرورية لعملها طيلة المدة النيابية بهذا المجلس.
و في ما يلي نصّ التدوينة:
“المسؤول الكبير
لم يعد نكرة مهما تحايل المسؤول الصغير
أبو يعرب المرزوقي
تونس في 20.01.21
لما كتبت “الملاحظتين” حول المشاورات لتعيين الرئيس “الاقدر على” تشكيل الحكومة وعلى الحكم بها حكما يستند إلى تشريعات يقبل بها مجلس النواب كنت أرد على بعض الفقهاء ممن يزعمون أن الرئيس بمقتضى انتسابه إلى الثورة يمكن أن يعين من يرد بصرف النظر عن رأي من يوجب عليه القانون استشارتهم جزئيا على الأقل.
وقد يكون رأي هؤلاء الفقهاء بحسن نية أو لكونهم من فقهاء السلطان الطامعين في كريسي. لذلك فإني لم أرد مساءلتهم عن شرعية عامل ثوريته في وظيفته حاليا وهي بعد لم تصبح نافذة المفعول قبل أن يصبح ينجز برنامجه في تغيير الدستور إذ هو ليس له برنامج غير ذلك من دون يستبق هذا التغيير فيعتدي على الدستور الحالي.
ولكن هبنا تغاضينا عن هذا العدوان وقبلنا بالسكوت عن الانقلاب على الدستور وقلنا إنه لم يجد في المشاورات ما يقنعه بخيارات الأحزب المعللة فهل يغنيه ذلك عن وجوب تعليل خياره هو بدروه حتى يقنعنا بان كل الأحزاب مؤلفة من حمقى وأنه هو الحكيم الوحيد؟
ما سأقوله لا علاقة له بالشخص الذي عينه. فالأشخاص لا تعنيني. ليس عندي أدنى اعتراض على أي شخص توافق عليه نواب الشعب لأني لا أدعي الوطنية أكثر منهم ولا أزعم أن لي علما لدنيا فأعلم به من هو الاقدر على تحقيق الشرط المضاعف عند من يفهم القصد بـ”الأقدر” الواردة في نص الدستور:
1-فالاقدر تعني الأقدر على تشكيل الحكومة للخروج من مأزق الفراغ الحكومي الذي عجز المجلس على تشكيلها.
2-والأقدر تعني الأقدر على ضمان حزام يمكن من سن القوانين الضرورية لعملها طيلة المدة النيابية بهذا المجلس.
وأي إنسان له ذرة من عقل سليم ينبغي أن يستنتج أن اختيار الرئيس الذي لم يتوفر فيه الشرط الأول إذا كانت غالبية النواب متناسقة فتقبل بالتعيين خوفا من حل المجلس وليس لاقتناعها بالاختيار وتتجاهل الشرط الثاني أي القدرة على الحكم بهذا المجلس فإنه لا شيء ثبت أن الخوف سيدوم خمس سنوات. وإذن فعلة اختيار الرئيس على هذا النحو هي واحدة من اثنتين أو لعلها الاثنتين معا:
1-إما أن الرئيس أخذ القرار بذاته مرحلة أولية لتحقيق برنامجه عندما يؤول هذا التشكيل إما إلى رفض النواب للحكومة التي سيشكلها من اختاره أو إلى فشل الحكومة مباشرة بعد مرورها فيكون ذلك حجة لحل المجلس وإعادة الانتخابات مرحلة أولى نحو تغيير الدستور بمجلس يكون تابعا له فيجمع أركان السلطة الثلاثة المجلس والقصبة وقرطاج.
2-أو أن المسؤول الكبير هو الذي فرض عليه هذا الاختيار وغير غير مستبعد لأني أرجح أن ماكرون لم يطلبه بخصوص ليبيا لأنه لو كان يعنيه أن يتصل به بخصوصها لفعل قبل اللقاء وليس بعده ولحرص على حضوره مع الحاضرين علما وأن عدم حضوره تأييد لأعداء الثورة والشرعية في ليبيا باضعاف مؤيديها فيها وهما الجزائر وتركيا وضدهما كل من حضر بما في ذلك الأمم المتحدة التي هي مجرد أداة بيد الخمسة الأشرار.
لا اريد أن أطيل فأتكلم على الجمع بين العلتين لأن ذلك من عادات الباطنية التي تعمل عمل الفيروس الذي يحتل بدنا ويعمل بقوته فتؤدي فرنسا هنا ما تؤديه أمريكا ورورسيا في الهلال. لكني اعتقد أن القوى السياسية التونسية إذا كانت حقا تؤمن بما بررت به خياراتها لما أرسلت جوابها للرئيس فإن قبولها بهذا التعيين يفيد أمرين أحدهما أو كليهما كذلك:
1-إما أنها هي بدورها تأتمر بأوامر المسؤول الكبير وعندئذ فلا بأس من أن تعلل قبولها بالأمر الواقع أي بصورة ثانية لتحقيق نفس الامر فيكون الخلاف مع الرئيس ليس في التبعية بل في أفضل طريقة لإرضاء المسؤول الكبير.
2-أو إذا كانت حقا تعبر عما تعتبره صالحا لإخراج تونس من أزمتها فعليها أن تبادر بالرفض وحل المجلس حتى لا توفر فرصة للرئيس باستعمال سياسة التعفين التي تساعده في تحقيق برنامج القضاء على الانتقال الديموقراطي.
ذلك أني اعتقد أن ما حصل البارحة هو قسمة ضيزى لم يبق فيها للمجلس إلا ما كان له في عهد ابن علي: مجلس بني وي وي. وأصبحت القصبة للمسؤول الكبير الثاني (فرنسا) وقرطاج للمسؤول الكبير الأول (إيران). ولم يبق لتونس أدنى سيادة.
أما الكلام على ثورية الرئيس إذا فهمنا من ذلك برنامجه فهو رجعية وليس ثورية.
فالأنظمة السياسية الحديثة سواء كانت ذات مرجعية علمانية أو دينية هي بالأساس التحرر من هيمنة الدولة على المجتمع وسيطرة السياسي على الاقتصادي والثقافي أي التحرر من الدولة الحاضنة التي هي أصل الاستبداد والفساد.
فأصل تحويل الشعوب إلى “عيال” بلغة ابن خلدون هو الدولة الحاضنة التي تجعل الشعوب تكتفي بالكفاف الذي توزعه الطبقة الحاكمة من أجل البقاء في الحكم وتحويل الجميع إلى عاطلين يحصلون على أدنى الأجور بوصفهم خدما لنمونكلاتورا سواء بالمعنى السوفياتي أو بمعنى القذافي أو بمعنى قبائل الخليج.
أما الثورة فهي تحرير المجتمع من الدولة الحاضنة وجعل المواطنين منتجين ومبدعين وليسوا عالة على الدولة التي تصبح في هذه الحالة مقصورا دورها على وظيفتين لا غير: قوامة الرعاية التي هي وظيفة المجتمع الذي يكون أجياله ويمونهم وقوامة الحماية الداخلية والخارجية التي هي وظيفة المجتمع كذلك لأن حماية الجماعة فرض عين على الجميع وليس مهمة الحكام.
صحيح أن شعارات الثورة في البداية كانت تعبر عن مطالبة الثوار بسهمهم من الموجود لانهم لم يكونوا يدركون أن الموجود لا يمكن أن يحقق مطالبهم وأنه لا بد من أن يكون المنشود أرفع سقفا من ذلك: لا بد من استكمال التحرير حتى يتققح التحرر.
وقد وصل الشباب إلى هذه النتيجة لما اكتشف أن ثروات البلاد ليست ملكا لشعبها بل هي ما تزال ملك الحامي القديم بل هي تضاعفت لأنها تجاوزت الثورة إلى التراث والاقتصاد إلى الثقافة. وبدأ الشباب من العراق إلى المغرب يفهم أن الداء قد تجلى عندما تبين أن الثورة المضادة دارية بذلك ولذلك فهي متحدة لمنع تحقيق شرط استكمال التحرير من أجل التحرر.
وطبعا كلنا يدرك أن المسؤول الكبير بصنفيه هو الذي يقود الثورة المضادة العربية التي تنحصر في ذيلين أحدهما للملالي والثاني للحاخامات. والملالي والحاخامات كلاهما ذيل للقوتين روسيا للأولين وأمريكا للثانين. ومن ينكر ذلك عليه أن يشرح لنا علة وجود الإمارات ومصر والسعودية وإسرائيل وأمريكا وإيران وروسيا في جارتي تونس علنا وفي تونس خفية.
أما أوروبا فرغم تبعيتها هي بدورها لامريكا فإن بعض قواها-فرنسا وإيطاليا وبريطانيا خاصة- بدأت تعود لوهمها الامبراطوري لاستعادة السلطة المباشرة على مستعمراتهم السابقة بعد فشل الاستعمار غير المباشر بفضل ثورة الشعوب ومن ثم فهي تعمل ما تستطيع لتحريك الحركيين في المغرب الكبير وأمثالهم في المشرق الكبير.
رحم الله السبسي كنا في عهده نخضع لمسؤول كبير واحد وإن كان له عديد الأذرع المافيوية في الداخل قصدت فرنسا. اليوم صار عندنا ثلاثة: فرنسا ومافياتها تسيطر على القصبة وإيران ومافياتها تسيطر على قرطاج والأخير يسيطر على المجلس وهو الاعجب: إنه “سيف ديموقليس” الذي بيد التحالف بين القصبة وقرطاج أعني التهديد بحل المجلس الذي يخشاه جبناء النواب بوزوز سوردي.
تلك هي حقيقة المعركة. وأعلم أن الدمى الحزبية لا تريد أن تعترف بذلك رغم أن تعددها اللامعقول وتمويلاتها معلومة المصدر وعلاقتها جميعا بالسفارات والمافيات دليل كاف على ما أقول.”
شارك رأيك