يأمل التونسيون من رئيس الحكومة المكلف إلياس الفخفاخ أن يشكل حكومته في أقرب الآجال، ولا يطيل مدة البحث عن الكفاءات، فتونس تزخر بها، ويأملون أيضا أن لا تكون الحكومة موسعة مثل سابقاتها مع إمكانية تطعيم الوزارات بالخبراء الذين خدموا البلاد لفترات طويلة والاستعانة بالقدرات الشبابية التي تعطي وهجا جديدا للإدارة العمومية، ومن ثم يبدأ العمل من أجل تونس على أساس من العدل والكفاءة.
بقلم فوزي بن يونس بن حديد *
فشلت حكومة الحبيب الجملي في المرور من البرلمان لأن كل الكتل البرلمانية عارضتها ما عدا كتلة حركة النهضة التي تمسكت بمنحه الضوء الأخضر لكنه لم يدم طويلا فسرعان ما تغير إلى اللون الأحمر، وسقط الجملي في اختبار المرور، وانتقلت المبادرة دستوريا إلى ما سمي بحكومة الرئيس، وقد التزم الرئيس قيس سعيّد بالموعد المحدّد واختار شخصية اقتصادية، وهو المهندس السيد إلياس الفخفاخ، سبق لها العمل في الحكومات السابقة لأنه يرى أن اقتصاد البلاد هو المشكلة الحقيقية اليوم، وعلى الحكومة المقبلة أن تفكر جديا في طُرق إخراج تونس من محنتها اليومية التي يعاني منها المواطن التونسي ويتذمر من سوء الأحوال الاقتصادية ومن صعوبة المعيشة وتدهور العملة المحلية وارتفاع التضخم والبطالة وعجز الميزان التجاري، كلها مشاكل اقتصادية بحتة كان على الرئيس التونسي أن ينظر إلى هذا الجانب بصفة خاصة حتى تتحلحل عجلة الاقتصاد من مكانها وتدور دورانها الطبيعي.
هل يأخذ إلياس الفخفاخ الدروس من فشل الحبيب الجملي
ومما لا شك فيه، أن فشل حكومة الجملي يعود بالأساس إلى توسع دائرة المشاورات بين الأحزاب ومن ثم البحث عن الكفاءات وتتويجها أخيرا بشخصيات تمجّها الأحزاب وأخذ الوقت الكافي والشافي للاختيار ولكنه لم يفلح في تشكيل حكومة مصغرة لها من النزاهة والكفاءة ما تكون قريبة من الشعب التونسي ويألفها البرلمان التونسي لتمر بسلام دون عوائق تذكر، ولم يستغل الجملي الفرصة بل ظل يماطل الأحزاب والشخصيات ويتردد في اتخاذ القرار حتى ضاق عليه الوقت واتخذ قرارات سريعة كانت كفيلة بفشل حكومته في قبة البرلمان.
على السيد إلياس الفخفاخ أن لا يقع في الفخ ذاته، وأن يدرك أن الوقت ليس في صالحه إن هو تردد في اختياراته، بل عليه أن يعمل منذ اليوم الأول للتكليف على البحث عن الأحزاب التي يضمن من خلالها الحصول على أكبر الأصوات وأن يؤلف بينها حسب ما يمليه الوضع، وأن يكثف من اتصالاته من أول وهلة بالأحزاب التي لها تأثير في البرلمان ولها قوة الدفع ويحاول أن يقنعها بالمشاركة في الحكومة.
التسريع بإصلاح الإدارة وهي جهاز التنفيذ الأول للسياسات
وما ينبغي أن يعلمه السيد إلياس الفخفاخ، أن التجربة الديمقراطية في تونس ستتعبه لا محالة في مسار تشكيل الحكومة التونسية الجديدة، وينبغي أن يكون محل ثقة الرئيس والشعب التونسي، ومن ثم البرلمان التونسي ليحصل على التأييد الكافي والشافي، وبعدها ينطلق في تنفيذ برنامجه الحكومي، الذي ينبغي أن يكون واضحا وينطلق من النقطة صفر على اعتبار أن كل شيء متوقف، وكل شيء فوضى، وكل شيء خارج الرقابة، وعليه أن يضع وزراء أشداء على وزاراتهم رحماء على الشعب التونسي، حتى يستطيع أن يستمر، والرجل رجل اقتصادي من الدرجة الأولى وعمل في إحدى الحكومات السابقة وزيرا للمالية، وهوعالم بأسرار الدولة ومكامن عجزها وإمكاناتها المادية والبشرية، والوضع الإداري البيروقراطي، كل ذلك يدعوه إلى إعادة هيكلة الدولة من الناحية التنفيذية، فيمكنه بالتعاون مع الرئاسة والبرلمان إعادة هيكلة الاقتصاد ووزارات الخدمة كالتربية والصحة وسرعة البدء في الإصلاح الإداري من خلال إنشاء جهاز الرقابة الإداري والمالي لمنع أي فساد يمكن أن يستشري.
وما ينبغي أن يعلمه السيد رئيس الحكومة المكلف أيضا أن الشعب التونسي سيرصد كل تحرك لهذه الحكومة، فنجاحها مرهون بما تقدمه للشعب التونسي من خدمات على كل المستويات، ومرهون بما توفره من مواطن شغل، ومرهون بما تحرص على ثروات البلاد والحفاظ عليها وتنميتها وتطويرها، ومرهون بإنشاء الاقتصاد الرقمي، ومرهون بحوكمة الاقتصاد، وإذا نجح في تحقيق ذلك خلال فترة وجيزة يكون قد أخرج البلاد من نكسة اقتصادية كبيرة، وعلى أن الشعب التونسي أيضا أن يمنحه الوقت الكافي لإدارة الأمور، فلا يطالبه بعد أيام أو شهر أو مدة قصيرة بتحقيق كل ذلك، فلا شك أن الفخفاخ لديه خطط للتنمية والتشغيل والإصلاح ولا شك أيضا أنه ستعترضه صعوبات وعوائق ومشاكل ولكن يمكن أن يجتازها إذا كوّن فريقا قادرا على تحملها وتجاوزها بكل سهولة بأقل الخسائر بل يسعى إلى استثمارها لصالح تونس في المستقبل القريب حتى ينعم الشعب التونسي بالهدوء الاقتصادي ومن ثم الهدوء الاجتماعي الذي يأتي نتيجة للاستقرار الاقتصادي.
العمل من أجل تونس على أساس من العدل والكفاءة
نأمل من الفخفاخ أن يشكل حكومة في أقرب الآجال، ولا يطيل مدة البحث عن الكفاءات، فتونس تزخر بالكفاءات والقدرات، ونأمل أن لا تكون الحكومة موسعة بحيث يمكن دمج بعض الوزارات والاستغناء عن كتّاب الدولة وتطعيم الوزارات بالخبرات والمستشارين الذين خدموا البلاد لفترات طويلة ويمكن الاستعانة بالقدرات الشبابية التي تعطي وهجا جديدا للوزارات المعنية، ومن ثم يبدأ العمل من أجل تونس على أساس من العدل والكفاءة، وما تنتجه هذه الحكومة من حلول ناجعة للحالة التي تعيشها تونس اليوم.
* صحفي و محلل.
شارك رأيك