يستعد يوسف الشاهد رئيس حكومة تصريف الأعمال لمغادرة قصر الحكومة بالقصبة بعد ثلاث سنوات ونصف وهي مناسبة لبداية تقييم لفترة حكمه قياسا للتعهدات والوعود والالتزامات التي قطعها على نفسه عند التكليف.
بقلم أحمد فرحات حمودي **
بداية شهر أوت من سنة 2016 كان يوسف الشاهد الشاب الذي وقع الاختيار عليه لقيادة حكومة الوحدة الوطنية يلقي خطاب التكليف تحت قبة البرلمان في باردو كان التونسيون الذين لا يكادوا يعرفونه يصغون إليه بانتباه من خلال الترنزيستور والتلفزيون وكانت اللحظة دقيقة في تاريخ تونس كيف لا والبلاد تحت خطر التهديدات الإرهابية (عمليات نوعية، شهداء الأمن الرئاسي على بعد أمتار من وزارة الداخلية، وكبرى، محاولة تنظيم داعش احتلال بن قردان وقاتلة لقطاع السياحة, عملية نزل الامبريال بسوسة) كان واضحا أن النتائج ستكون وخيمة وكانت البلاد تحت تهديدات مخاطر الإفلاس (عجز الميزانية من الناتج الداخلي قاربت 7 بالمائة) و كانت حكومة سلفه الحبيب الصيد قد استنجدت بصندوق النقد الدولي وأمضت معه في ماي (أيار) 2016 اتفاقا يمتد على أربع سنوات يقضي باتباع سياسة التقشف من تجميد للأجور إلى إعادة هيكلة المؤسسات العمومية وخصخصة بعضها إنعاشا للخزينة وتوازيا أمضت ذات الحكومة اتفاقا مع الاتحاد العام التونسي للشغل (أكبر التنظيمات النقابية في تونس وشريك الحكومة الأساسي منذ الاستقلال) يقضي بزيادة في الأجور في خضم كل هذه التعقيدات الأمنية والاقتصادية والاجتماعية جيء بيوسف الشاهد رئيسا لحكومة وحدة وطنية أنيط بعهدتها إنقاذ البلد من كل هذه المخاطر ووضع تونس على سكة الإقلاع.
كان خطاب التكليف الذي ألقاه رئيس حكومة الوحدة الوطنية من قبة البرلمان واضحا وصريحا فيه مكاشفة للتونسيين بحقيقة الأوضاع وفيه إعلان على أن البلاد ستدخل في مرحلة صعبة على مواطنيها تتطلب جسام التضحيات وأنه إذا نجحنا في خطة الإنقاذ ستأخذ المؤشرات الاقتصادية الكبرى طريقها إلى اللون الأخضر نهاية 2019 بداية 2020 لم يُخفِ يوسف الشاهد حينها جملة الإجراءات المؤلمة التي يجب اتخاذها لكي تغادر تونس منطقة الخطر في مختلف المجالات طالبا من كل التونسيين الوقوف لتونس مستعيرا كلمة الشهيد شكري بلعيد “يلزمنا ناقفو لتونس” (يجب الوقوف لتونس والتضحية من أجلها) قال إن أولى الأولويات هو التخفيض في نسبة عجز الميزانية ومجابهة الإرهاب كان يقتضي الأول ظغطا جبائيا كبيرا ما سيؤدي حتما لزيادة في الأسعار وتدهور القدرة الشرائية ويقتضي الثاني زيادة نفقات وزارات الداخلية والدفاع على حساب المرفق العمومي (التعليم والصحة والنقل أساسا) كما يقتضي إنقاذ الصناديق الاجتماعية إلى تضحيات اضافية باقتطاعات جديدة ( 1 بالمائة من الأجر) ما زاد في أثقال كاهل المواطنين و 1 بالمائة إضافي على الضريبة على الاستهلاك لانعاش موارد الميزانية والحد من عجزها ما فاقم من تراجع القدرة الشرائية وفي المقابل أقرت سياسات وإجراءات اجتماعية لمساعدة أصحاب المداخيل الضعيفة (برنامج احميني والأمان الاجتماعي وإعانات العائلات المعوزة) كما قرر وقف إسناد الدينار في مواجهة العملات الأجنبية ليكون بحق مرآة الاقتصاد. كانت إجراءات مؤلمة وعاش التونسيون أياما صعبة سنوات 17 و 18 و 19 إذ تدهورت القدرة الشرائية جراء زيادة الأسعار وانهار الدينار ليصل سعر الأورو إلى 3,5 دينار ما أدى لارتفاع كبير لنسبة الدين من الناتج الداخلي لتقترب من 80 بالمائة وزاد عجز ميزان المدفوعات وعجز الميزان التجاري قبل ذلك.
الآن وبعد انقضاء المدة يصير من المهم تقييم تجربة الحكم هذه ومدى بلوغ الأهداف والتعهدات والالتزامات التي أعلن عليها يوسف الشاهد في خطاب التكليف. يبدو واضحا أن الدينار التونسي قد غير اتجاه منحاه من انحدار إلى ارتفاع ليكون اليوم سعر الأورو أقل من 3,1 دينار وتشير كل التوقعات الي النزول تحت حاجز ال 3 موفى شهر مارس ويعود ذلك لارتفاع احتياطي العملة ليبلغ أكثر من 110 أيام توريد بعد أن كان قبل سنة لا يتجاوز 70 يوم توريد وانخفاض العجز الطاقي الذي أدى لانخفاض عجز الميزان التجاري هذا الميزان الذي بلغ فائضا في صادرات تونس للمنطقة الأوروبية تجاوز 117% من الواردات وتراجعت نسبة التضخم إلى حدود 5,8 % بعد أن بلغت أكثر من 7% نهاية 2018 وتراجعت نسبة عجز الميزانية إلى 3% أي ماهو معمول به في الاتحاد الأوروبي حسب اتفاقية ماستريخت لتغادر بذلك تونس منطقة الإفلاس بصفة نهائية وتراجع التهديد الإرهابي لتكون تونس من أنجح الدول في مجابهة الإرهاب، انتعشت الصناديق الاجتماعية بفضل إصلاحها وغادرت بدورها شبح الإفلاس وتراجعت نسبة الدين لتنزل إلى ما دون ال 70 بالمائة خلال الفترة القليلة القادمة بالمقابل لم تُجمّد الأجور ولم تُخوصَص المؤسسات العمومية. يبدو إذن أن كل المؤشرات الاقتصادية الكبرى قد أخذت طريقها بعد إلى اللون الأخضر ومنتظر في الفترة القادمة أن يتم تنزيل هذه المؤشرات في الواقع لتؤثر على الحياة اليومية للناس. هنالك أمران لم يتم تسجيل نجاحات كبرى فيهما وهما نسب النمو التي ظلت تراوح مكانها دون ال 3 % وبالتالي عدم إمكانية تخفيض نسب البطالة حيث أن منوال النمو لا يمكن له تخفيض نسب البطالة بصفة واضحة ما لم تتجاوز نسبة النمو الاقتصادي 3%. الأمر الثاني هي معظلة الفسفاط التي تراوح مكانها والتي لم تسجل فيها نجاحات ملموسة إذ لم يحمل قطار الفسفاط التنمية إلى جهة الحوض المنجمي وهي عبارة يوسف الشاهد في خطاب التكليف.
قضى يوسف الشاهد ثلاث سنوات ونصف في قصر الحكومة بالقصبة وكانت فترة حكمه صعبة على التونسيين ولكنها تضحيات هم يستعدون اليوم لقطف ثمارها وما يحسب لرئيس الحكومة التي تحزم حقائبها للمغادرة أنه كان صريحا منذ البداية قال إنها سنوات صعبة ولكنها حتمية وإن المؤشرات والتوازنات المالية الكبرى ستأخذ طريق التحسن بداية السنة العشرين بعد الألفين.
* نا شط سياسي.
شارك رأيك