قرارات استثنائية ستمس العديد من القطاعات الاجتماعية والاقتصادية في تونس وتتطلب تعديل الكثير من القوانين ونحن لا نملك الكثير من الوقت لكي نخسره في البيروقراطية العادية من إعداد قوانين من قبل الحكومة وإرسالها للبرلمان ومناقشتها في اللجان الفرعية ثم تمريرها على الجلسة العامة للمناقشة والمصادقة بينما آلاف من الشعب التونسي ينتظرون تنفيذ هذه القرارات باليوم إن لم تكن بالساعات.
بقلم فيروز الشاذلي
كانت القرارات تهم أساسا الجانب الاجتماعي والاقتصادي لمجابهة أثار الجائحة التي تسبب بها فيروس كورونا، وبصفة عامة تم التركيز على عملة القطاع الخاص الذين سيجدون أنفسهم في بطالة فنية إجبارية بحكم الحجر الصحي العام، ومن جهة أخرى تم إعطاء أهمية كبرى للحفاظ على المؤسسات الاقتصادية باعتبارها القاطرة الحقيقية لإعادة سكة التنمية للبلاد التونسية بعد تجاوز هذه الأزمة وخاصة أن هذه المؤسسات تشغل الآلاف من الطبقة الشغيلة وإن لم يتم إنقاذها من هذه الوضعية الكارثية سوف يكون حتما مآلها الإفلاس وتسريح عمالها.
من حيث التفاصيل، كانت القرارات المتخذة بالنسبة للعمال الذين سيدخلون في بطالة فنية مقبولة إجمالا بحكم تخصيص 300 مليون دينار كمساعدات لهذه الفئة المتضررة مباشرة من توقف أنشطة المؤسسات الاقتصادية التي يعملون بها وهو إجراء عاجل معمول به تقريبا في أغلب الدول التي أقرت مبدأ الحجر الصحي العام لمجابهة انتشار فيروس كورونا.
هذا الإجراء بالتأكيد سوف يكون عن طريق مصالح وزارة الشؤون الاجتماعية وهو سيشمل جميع العملة المصرح بهم من طرف أصحاب المشاريع ولكن للأسف لن تشمل هذه التعويضات العملة المنضوين تحت أشكال العمل الهش بحكم أنهم غير مدرجين ضمن العمال المصرّح بهم ولا يتمتعون أصلا بالتغطية الاجتماعية.
الفئات الاجتماعية الهشة كانت كذلك في صلب اهتمامات رئيس الحكومة من خلال تخصيص اعتمادات مالية استثنائية بقيمة 150 مليون دينار ستصرف في شكل منح لفائدة هذه الفئات من محدودي الدخل و العائلات المعوزة وكذلك ذوي الاحتياجات الخاصة، مع العلم أن هذه المنح سوف يتم تحديدها إلى ثلاثة مستويات من قبل وزارة الشؤون الاجتماعية.
إجراءات اقتصادية جريئة وفي المستوى
أما في ما يتعلق بالمؤسسات الاقتصادية فقد كانت الإجراءات المعلن عنها جريئة وفي المستوى، وهذا ليس من باب المجاملة بقدر ما هو رأي أغلبية الخبراء الاقتصاديين المحايدين لأنها مسّت في مجملها جميع الجوانب التي تضمن إعادة العجلة الاقتصادية لهذه المؤسسات بعد زوال الأزمة كالجوانب المالية لتوفير السيولة اللازمة من مال متداول وتأجيل القروض المستوجبة، بل أكثر من ذلك توفير خط تمويل استثماري لإعادة نسق الإنتاج عن طريق إحداث صندوق مالي للغرض، ومن جهة أخرى تأجيل الاستحقاقات الجبائية والديوانية لكي لا تشكل ضغطا إضافيا على هذه المؤسسات.
هذه القرارات الخاصة بالمؤسسات الاقتصادية بقيمة 1200 مليون دينار سوف يكون لها أثر إيجابي كبير لعدة اعتبارات، أولا ستعطي مناخ من الثقة الإيجابية لدى المتداخلين الاقتصاديين، ثانيا طبيعتها الإجرائية سوف تشمل فقط المؤسسات المنضوية تحت راية الاقتصاد الرسمي مما يعطي للمؤسسة المنظّمة امتياز رعاية الدولة في هذا الظرف العصيب الذي تمر به البلاد، ثالثا هذا التدخل لفائدة المؤسسات في النهاية هو في حد ذاته تدخل اجتماعي بحكم إنقاذ هذه المؤسسات هو إنقاذ لمئات آلاف مواطن الشغل من البطالة التي بطبيعتها متفشية في المجتمع التونسي.
من ناحية التجاوب الشعبي مع هذه القرارات فنلتمس من خلال ردة الفعل الأولية وجود شبه إجماع على وجاهة هذه القرارات ويمكن أن نستنتج وجود التأثير الإيجابي لقرارات الفخفاخ من خلال توقف التيار السلبي النقدي من طرف عموم المواطنين حول ردة فعل السلطة الذي كان سائدا في الفترة الماضية قبل الإعلان عن هذه القرارات، من جهة أخرى أصبح واضحا أن خطاب الفخفاخ قد أسّس لأرضية ملائمة للحكومة للعمل في أريحية وكسب نوع من الثقة لدى شريحة واسعة من الشعب التونسي، مع ملاحظة أن هذه الإيجابية المسجلة بعد خطاب رئيس الحكومة لا تعتبر بطاقة اعتماد سياسي للحكومة بل تعتبر نقطة بداية يجب على الحكومة ورئيسها العمل جاهدا للبناء عليها وتطويرها خاصة أن الحكومة تنتظرها عديد المصاعب مع مناخ اقتصادي واجتماعي ضبابي أشبه بفترة الحروب.
الشعب ينتظر تجاوب البرلمان
قرارات استثنائية ستمس العديد من القطاعات وتتطلب تعديل الكثير من القوانين ونحن لا نملك الكثير من الوقت لكي نخسره في البيروقراطية العادية من إعداد قوانين من قبل الحكومة وإرسالها للبرلمان ومناقشتها في اللجان الفرعية ثم تمريرها على الجلسة العامة للمناقشة والمصادقة بينما آلاف من الشعب التونسي ينتظرون تنفيذ هذه القرارات باليوم إن لم تكن بالساعات، لذلك كان واضحا رئيس الحكومة في الذهاب إلى طلب تفعيل الفصل 70 من الدستور الذي يقضي بإمكانية إصدار مراسيم حكومية تأخذ مفعول القوانين العادية بعد أخذ تفويض من قبل البرلمان بموافقة ثلاثة أخماس أعضائه وذلك لمدة شهرين وبعد ذلك يتم عرض هذه المراسيم على البرلمان للمصادقة.
طلب تفعيل هذا الفصل يحتم على البرلمان و الكتل تحمل المسؤولية كاملة في هذا الظرف الصعب من خلال التحلي بروح المسؤولية و الشعور بدقة المرحلة وتغليب المصلحة الوطنية على المصلحة الحزبية خاصة أن التفويض يتطلب موافقة 126 صوت.
نظريا الحكومة قادرة على الحصول على هذا التفويض باعتبار الحكومة نفسها حصلت على 129 صوت أثناء نيلهالثقة ولكن نحن الآن أمام أمر مختلف تماما فالكتل النيابية هي المدعوة هذه المرة أن تكون أمام تحديات المرحلة وأن يثبت النواب مدى توحدهم كتونسيين قبل أن يكونوا ممثلي أحزاب من خلال تصويت قوي يعطي إشارة علة تجاوز الخلافات الحزبية الضيقة وتبجيل المصلحة الوطنية العليا للوطن من خلال التفاعل مع دعوة الحكومة لتفويضها للقيام بمراسيم قوانين تستطيع من خلالها مجابهة هذه المشكلة الكبيرة التي تضرب جميع بلدان العالم.
لذلك نحن ننتظر تجاوبا كبيرا من نواب البرلمان يتعدى التصويت العددي التقني لحصول إلياس الفخفاخ على هذا التفويض إلى تصويت جامع يكون رسالة قوية تجاه الشعب بأن طبقته السياسية توحّدت أخيرا لمجابهة المشاكل التي يعاني منها الشعب الذي انتخبهم وفوّضهم في البرلمان.
شارك رأيك