غالبا ما تحدث عند وقوع أزمات حالة من الهلع الاجتماعي ينتشر خلالها الخوف و تُروّج في ظلها الإشاعات. وتتزايد التساؤلات عن الانعكاسات وطبيعة وشكل ردود الفعل المترتبة عنها. ومهما قيل عن الأزمة الكونية لوباء فيروس كورونا وطبيعة الأجوبة الآنية والآتية يبقى السؤال الأهم والمصيري: ما هي احتمالات انتشار ثقافة الفوضى و مدى تجاوزها لقدرات الدولة؟
بقلم العقيد (م) محسن بن عيسى *
تحصين المجتمع من ثقافة الفوضى
لقد أبرز تحدي الشارع لقرارات الحكومة في الحجر الصحي و تنامي ظاهرة الاحتكار مع تزايد نسب العنف ثقافة مجتمعية غير واعية، كما كشفت حالات اضطراب وفقدان معايير وقيم داخل بعض القطاعات. واعتقادي أنّ هذا الواقع هو ردّ فعل لراسب أو عدة رواسب كامنة لها أسبابها ومُنطلقاتها. فالوعي هو مرآة الشعوب وهو المقياس لمستوى الرقي أو التدنّي.
ويشير التاريخ الاجتماعي إلى خطورة تفشي انعدام الوعي وظهور فئات اجتماعية انتهازية في بعض المراحل التاريخية. ومن أبرز هذه الفئات “تُجّار الحرب أو الأزمات”، هؤلاء الذين نَفذوا من محيط الفقر إلى عالم الغنى عبر التجارة في كل شيء ولو على حساب الأخلاق. إن هناك حقيقة دامغة ومحورها يؤكد أن أيّ تسامح أو تهاون مع هذه الفئات أو تغاضي عن هذه الجرائم يوفّر الدافع لإعادة ارتكابها.
ومن المظاهر المثيرة التي أفرزتها الأزمة لدينا تورط البعض من المسؤولين وأعوان الدولة في عمليات فساد بسبب النوازع الفردية المنحرفة والتعيينات الخاطئة. فالفساد على هذا المستوى يُعدّ أحد أوجه الأداء السلبي للجهاز الاداري والمتغيّر الأكثر تأثيرا في التماسك الاجتماعي.
إننا في حاجة لأن نؤكد أن مجابهة ثقافة الفوضى تحتاج إلى نظرة شمولية تحيط بكل الخبرات والمقاربات ومن ذلك ربط إدارة الأزمة بواقع القناعات الانتهازية السائدة لدينا للتصدي لها، ووقف التسيب المخيف الناجم عنها، وإعادة الانضباط في المجال العام. إنّ أكثر المسائل الجدية للتوجه الاستراتيجي في مثل هذه الظروف ترتبط بالعنصر البشري الواعي مواطنا كان أو مسؤولا.
هناك حاجة لأن تمسك الدولة بزمام الأمور وأن تُرسَخ سيادة القانون، وأيّا كان شكل المجهودات الجارية فإن البلاد في انتظار إرادة سياسية جادة وحازمة ورؤية طويلة المدى لحماية المجتمع وتحصين وعيه ووجدانه.
التعلم من أخطائنا وبناء الثقة
علينا أن نعترف أنّ تونس – بصرف النظر عن جائحة كورونا – تمرّ بظروف صعبة، ظروف تراجعت فيها الثقة بين المواطن والدولة بتراجع الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية والسياسية. لقد عاش المواطن منذ 2011 على حالة من عدم الوفاء بمتطلّباته الأساسية، فعندما ترتفع الآمال والطموحات ولا يتم تلبيتها تحدث الفجوة التي تؤدي لحالة الإحباط وتؤدي إلى عدم الاستقرار.
لقد تعدّدت أدوات نشر الشائعات والمعلومات المغلوطة، و تخطّت التدوينات والتصريحات فكرة تفاعل الرأي العام إلى السخرية أو الانتقاد والسعي نحو افقاد المواطن الثقة في قياداته وتراثه وتاريخه. فتغذية حالات السخط وعدم الرضى على الدولة والمسؤولين هو تمهيد لتعطيل مسيرة الدولة وارباك للتعبئة على كل المستويات.
إن أهم المقاييس الأساسية لتقييم أي مجتمع هو تشخيص حالة العلاقة الداخلية فيه، فسلامتها علامة على صحة المجتمع وإمكانية نهوضه بينما اهتراؤها دلالة سوء وتخلف. ولعل في نهضة أغلبية أبناء تونس لنجدة وحماية الوطن ما يشجع على استغلال الفرصة لإعادة تشكيل الحس الوطني داخل الممارسات والعلاقات والرموز والأفكار. فأوضاع مؤسسات الدولة تحتاج الى عمليات تدارك والذات الاجتماعية تتطلب اعادة تشكيل.
صدق من قال: أنّ معظم الرجال تقريبا يمكنهم تحمّل الصعاب، لكن إذا أردت اختبار معدن رجل فاجعل له سلطة.
* ضابط متقاعد من سلك الحرس الوطني.
شارك رأيك