حينما تنطق لغة الأرقام، يبدأ الامتحان، وعندها يُكرم المرء أو يُهان… هي لغة تكفي وتُغْني عن عشرات المقالات التي كُتبت ولا تزال تكتب عن فيروس كورونا، وحينما أصاب الفيروس الإنسان انتفض لذكره الإنس والجان، ولم يعد الكون كما كان، ولا العصر كما بان، ولا الزمن كما حان، كل شيء تغير عما عليه كان، حتى النفط انهار وخان، ولم يعد معتمَدا عليه في ظل الظروف القاسية الآن، بعد أن انخفضت أسعاره إلى أدنى مستوى…
بقلم فوزي بن يونس بن حديد *
هي لغة الأرقام التي تسيطر على العالم أجمع وتحدث فارقا في المجتمعات الغربية والشرقية على حدّ سواء، وتعطي انطباعا سيئا لفيروس استطاع أن يقلب العالم رأسا على عقب في كل شيء، وغيّر وجه الحياة ونمطها وجعل عاليها سافلها، وأصبح الناس خائفين من المستقبل، هلعين من الموت المحقق، مرتبكين في التعامل مع الفيروس، حريصين على حياتهم ونظافتهم، مبتهلين خاضعين متضرعين لله تعالى أن يبعد عنهم الوباء ويدفع عنهم البلاء إنه سميع مجيب الدعاء.
مستوى الإصابات في ارتفاع مستمر، ومستوى الوفيات إلى أعلى
وبالنظر إلى الأرقام المفزعة التي تصدرها وكالات الأنباء في العالم، تستقرئ الحدث، وتشدك سرعة تغييرها بين اليوم والآخر، فمستوى الإصابات في ارتفاع مستمر، ومستوى الوفيات إلى أعلى، ومستوى المتعافين يسير ببطء شديد، وهو الأمر الذي أعيى الناس جميعا ولحق الأطباء المساكين الذين يعانون كل يوم بصنوف الناس العاديين، بعضهم انهار نفسيا وبعضهم أصيب بكورونا، وبعضهم توفي جراء المرض، وبعضهم مازال صامدا في ميدان المعركة إلى النهاية.
والأرقام تمضي بلا توقف، غير آبهة بما يحدث في العالم من كوارث، ومن سيئات الفيروس، الكبيرة أعمالُه، الصغيرُ في حجمه، أرقام تدعو للحيرة والقلق والاكتئاب والفزع والخوف، ومن يأمن من الخوف في عصرنا إلا الذي كان قلبه قويا عرف أن الفيروس جندي من جند الله، وحينئذ عليه أن يستسلم لأمر الله ويأخذ بالاحتياطات اللازمة وبعدها يقول لن يصيبنا إلا ما كتب الله لنا.
وعودا على بدء، ومن خلال الأرقام نفسها ندرك أشياء وأشياء فقد ذكرت وسائل الإعلام العالمية إحصائية أخيرة للوباء العالمي، فقد سجلت إسبانيا 184948 إصابة و19315 حالة وفاة وتعافي 74797حالة. وسجلت إيطاليا 167941 إصابة و22170 حالة وفاة وتعافي 41164. وسجلت فرنسا 165027حالة إصابة و17920حالة وفاة. وسجلت المانيا 137698حالة إصابة و4052 حالة وفاة وتعافي 81800. وسجلت بريطانيا 103093إصابة و13729حالة وفاة، غير انها لم تسجل اي حالات تعافٍ. وسجلت الصين، البؤرة الأولى للفيروس، 82692 حالة إصابة و4632 حالة وفاة وتعافي 77944حالة. وسجلت إيران 77995حالة اصابة و4869 حالة وفاة و52229 حالة تعافٍ. وسجلت تركيا 74193حالة إصابة و1643حالة وفاة و7089 حالة تعافٍ.
لغز الصين بؤرة التفشي الأولى
من خلال هذه الأرقام ندرك أن الصين بؤرة التفشي الأولى في العالم لم تشهد إصابات كما شهدته أمريكا التي أصابها الوباء أخيرا، لكنه ارتفع بقوة وانتشر بسرعة رهيبة فاق كل التصورات، وهنا نطرح سؤالا مهمّا ما هو اللغز؟
إن الصين لا شك لغز من الألغاز في محاربة الوباء، هي أول من أصيب، وهي أول من يستطيع السيطرة عليه بسرعة بينما دول كبرى أخرى لم تستطع، وهنا يبرز الفرق بين الصين وأخواتها من الدول الصناعية الكبرى، فالصين أخذت الأمور بجدية من أول وهلة وعملت بقوة ودكتاتورية وبصفة قمعية وبشدة لا رحمة فيها مع المرض والمرضى والناس جميعا، وسخّرت التقنية العالية في تحديد المرضى في كامل البلاد من البداية، واستطاعت أن تتكيف مع الواقع المؤلم، وأدركت أن المعركة قوية ولا بد أن تكون هي أقوى لتسيطر على الوضع، بينما الدول العظمى الأخرى كبريطانيا وفرنسا وألمانيا وأمريكا ومعها اسبانيا وإيطاليا تترنح بين الأرقام طلوعا ونزولا مما يفسر مدى عدم قدرة هذه الدول على المواجهة في الأزمات، وانكشف القناع عن كثير من الدول التي تزعم أنها كبرى بينما عرّاها فيروس كورونا، وأظهر سوأتها.
وفي حين قفزت الأرقام بالولايات المتحدة الأمريكية إلى أعلى، تبقى أمريكا عاجزة اليوم عن التصدي لفيروس بإمكاناتها البشرية والعسكرية الهائلة، إما لبطء التعامل مع الفيروس والاستهزاء بقدرته على التدمير السريع، وإما لهشاشة القطاع الصحي في أمريكا، وعدم قدرته على الاستيعاب في أيام الأزمات، وأيام العسرة، لذلك وقعت أمريكا في الفخ بينما استطاعت الصين أن تقفز على الحدث لأنها عملت بجد ونشاط وخوف من الفيروس، وبذلك تظهر المفارقة العجيبة في الأرقام وحتى في المعالجة لأن الحدث جلل، مسّ العالم أجمع، واخترق كل الحواجز، ولم يستطع أي رادار في العالم رصده، إنها الحرب من نوع لم يألفه الإنسان من قبل، ولله الأمر من قبل ومن بعد.
* صحفي و محلل.
شارك رأيك