ليست المرة الأولى التي يقدّم فيها رئيس حكومة في تونس استقالته وليست الأخيرة وسنشهد حسبما يبدو كوارث سياسية في هذا المجال حيث المشهد سيتكرر كلما تشكلت حكومة، بداعي الفساد أو غيره من الأسباب، لكن المخيف حقا أن يستمر الجدل السياسي على هذا النمط ، كلما يأتي رئيس حكومة لا يستمر إلا قليلا من الأشهر وحين يبدأ الاستعداد فيها لتنفيذ الخطط التي عزم على تنفيذها خلال المدة المتبقية تأتي نكسة الإقالة أو الاستقالة لتبعثر الأوراق من جديد.
بقلم فوزي بن يونس بن حديد
هذا الشعور بانعدام الإستقرار السياسي سينعكس سلبا على الشعب التونسي الذي يعاني الأمرّين ومازال سيعاني خلال المرحلة المقبلة حينما تتوقف عجلة السياسة ومعها عجلة الاقتصاد لتعيش تونس أسوأ أيامها الحالكة في مواجهة العقبات الأساسية وأضحت معضلة السياسة من أكبر المشكلات، وإذا أردنا تشخيص ما يحصل في تونس، سنقول ببساطة إنه جنون الأحزاب وتكالبها على السيطرة على المشهد السياسي في تونس.
مسكينة تونس ومسكين الشعب التونسي الذي أصبح ينظر للسياسيين بعين واحدة، ولم يعد يمنح وقته الكافي للسياسة ولا للديمقراطية فقد سيطر عليه الفقر والخصاصة والبطالة ولم يعد يفهم الواقع الذي يتحول إلى أسفل سافلين، ولعل ما حصل أخيرا يجعلنا متشائمين من سير العملية الديمقراطية في البلاد.
هل الديمقراطية تجعلنا دائما نعيش وضعا سياسيا متغيرا أم أننا مازلنا لم نتعايش بعد مع مفهوم الديمقراطية الحقيقي أم أننا حقا نعمل خارج سياج الديمقراطية متوهمين أننا في صلب الحدث؟
الأحزاب لا تساعد غلى البناء بل تمعن في التدمير
كل ذلك ممكنا اليوم بعد أن تصدرت الأحزاب المشهد السياسي بعد أن كانت لفترة طويلة مكبلة أو ممنوعة، لكن الذي يحز في النفس حقا أن تسهم هذه الأحزاب فعلا في تدمير البلاد عندما تتعارك وتتخاصم على كراس، وعندما تتجاذ وتتساب من أجل من يجلس في البرلمان، وفيمن يقود الحكومة وفيمن يمسك بزمام الأمور.
هل يعقل أن يقود البلاد ثلاثة رجال؟ هل يعقل فعلا أن في السفينة 3 ربابنة؟ فمثل هذه السفينة لن يكتب لها النجاة لأنها بها ثلاثة مسارات وكل ربان يتشبث بمساره ولا يتنازل عنه مهما كانت الأسباب والمسببات، فيخربونها بأيديهم وأيدي أتباعهم.
هذا ما يحصل في تونس اليوم، هل يعقل أن تكون تونس الدولة التي أحدثت تحولا كبيرا في العالم أن تقع فريسة في أيدي 3 رجال؟ لا يمكن أن نقبل بذلك لأنها ببساطة ستنهار إما على المدى القريب أو المتوسط أو البعيد، لأنها ببساطة لن تنعم بالاستقرار السياسي ومن ورائه الاقتصادي والاجتماعي، لأنها ببساطة ستشهد انهيارا كبيرا في مؤسساتها التي ظلت قائمة و شامخة عقودا من الزمان، فنخاف اليوم وبعد هذا الازدهار نخسر كل شيء مع هذه العربدة السياسية التي لا فائدة من ورائها، ويوما بعد يوم نخسر الوطنية الحقيقية التي طالما تشدق بها السياسيون في كل مرة وطالما تحدث عنها كبار القوم وعانى ويعاني منه صغارهم.
المنحى الحالي سيقود تونس حتما إلى الانهيار
وأعتقد أن المنحى التي تنحوه تونس اليوم في السياسة سيقودها حتما إلى الانهيار، لأن عمل الأحزاب السياسي قائم على الصراع والانتقام لا على التكامل والتفاعل، كما حصل في لبنان، فلئن كلن لبنان عانى ويعاني اليوم من تفكك لمؤسسات الدولة ستتعرض تونس أيضا لمثل هذا لأن الصراع أيضا مبني على أيديولوجيات، ولئن كان لبنان تقوده الطائفية إلى الهاوية فإن تونس تقودها الانتماءات الفكرية إلى الهاوية أيضا، ولا حل حينئذ إلا البكاء على الأطلال وقول يا ليتني فعلت كذا، ولو فعلت كذا ما صار كذا، هذه المقولة لا يقولها إلا النادم على فعل بعد أن كانت أمامه خيارات متعددة وأصر على اتباع منهجه رغم علمه أنه فاسد وغير صالح.
فمشهد التضارب والتصادم هو مشهد مخيف اليوم، ومشهد الاستيلاء على السلطة والكرسي في تونس اليوم هو السائد، كأننا نعيش لغة القوة والسلطة بالقوة، ولغة الفوضى والعربدة المباحة إن صح التعبير، فلا قانون يضبط اللسان والأفعال والأقوال، ولا قانون يحترم المواطن المسكين الذي يبحث في الفتات حتى يعيش ويقاوم مسامير الفقر والبطالة والجوع التي تنهش نعشه الأخير نحو الموت البطيء، ولكن يبدو لي أن هذا الوضع لن يستمر طويلا، فنحن أمام حالين، إما الانفجار الكلي وهذا سيحدث من الشعب انتقاما من السياسيين الذي لا يفقهون إلا الجدال والصراخ والتنظير، وإما الانقلاب العسكري الذي سيحاول ضبط الساعة من جديد وفق آلية جديدة حتى لا تختلط الأمور وتسير السفينة إلى غير وجهتها، وإلى الله المصير والمسير.
* صحفي و محلل سياسي.
شارك رأيك