قضية تضارب المصالح التي أسقطت إلياس الفخفاخ و حكومتة إن دلت عن شيء فإنها تدل على أن منظومتنا السياسية تتجه بخطى ثابتة نحو المافيوزية ولن تنتج بالتالي لا إستقرارا سياسيا ولا حوكمة رشيدة ولا عدالة اجتماعية ولا سيادة وطنية. بمعنى أن الديموقراطية يمكن أن تنتج الفشل…
بقلم الصحبي بن فرج *
بتاريخ 29 جوان 2020 كنت قد كتبت أنني لا أرى قرارا آخر للسيد إلياس الفخفاخ غير الاستقالة ولم أكن أجرؤ على ذلك لولا اطلاعي على تفاصيل الملف ودراسة العديد من الوثائق الرسمية، للأسف الشديد تمترس رئيس الحكومة المستقيل وراء تعلات إجرائية وأحرج حلفاءه وأساء إلى الرئيس قيس سعيد الذي عينه ووثق فيه.
أخطر ما في تقارير الرقابة ليست شبهة تضارب المصالح التي أصبحت اليوم ثابتة وإنما حالة “المفينة” la mafiatisation التي تهيمن على الاقتصاد الوطني والمؤسسات العمومية والصفقات العمومية وواقع الاحتكار الوحشي لقطاعات هامة ومربحة كثيرة لدى مجامع مالية مافيوزية بأتم معنى الكلمة، تغلق أبواب المنافسة أمام المؤسسات الأخرى، تحدد الأسعار باتفاق مسبق بينها، تتقاسم الصفقات ببنها بالتراضي، تشتري الإدارة وتعين الوزراء والحكومات وربما أيضا تسقط وزراء وحكومات.
تداخل المافيات الاقتصادية باللوبيات السياسية
مئات وربما آلاف المليارات تهدر سنويا من أموال الشعب تذهب إلى حسابات وشركات بضع عائلات ومراكز نفوذ مالي، أموال طائلة كفيلة بإصلاح حال هذا البلد الجريح المقبل على الإفلاس.
“المفينة” تسربت أيضا إلى السياسة وتداخلت مع المافيات الاقتصادية، لتتحول “الملفات” إلى أوراق ضغط ومفاوضات ومساومات عند تشكيل الحكومات وتعيبن الوزارات وتسطير السياسات وتوزيع الصفقات.
ملف السيد الفخفاخ كان معلوما لدى حركة النهضة ولدى كل من شارك في الإئتلاف الحاكم بدرجات مختلفة ومنذ أوائل فيفري، أي بمحرد تعيبنه وقبل منحه الثقة ولكنهم فضلوا الصمت والتغاضي والتجاوز مقابل أثمان لا يعلمها الا الله.
شخصيا، وبالعودة إلى ملابسات تعيين الفخفاخ، لا أعتقد أن ترشيحه لمنصب رئاسة الحكومة كان مجرد صدفة سعيدة أو إجتهادا عابرا أو إلهاما نزل من السماء، كما لا أشك لحظة أن إسقاطه لم يكن بعيدا عن نشاط الغرف المظلمة المافيوزية لقطاع النفايات.
منظومة سياسية تتجه بخطى ثابتة نحو المافيوزية
هذه هي الحقيقة الصادمة التي عرٌاها ملف الفخفاخ: إقتصادنا يكرٌس الاحتكار والمافيوزية لذلك لا يمكن له أن ينتج لا الثروة ولا التنمية ولا التشغيل (راجعوا تصريح السفير الاوروبي باتريس بيرڨاميني، وتصريح مدير الينك الدولي في تونس وتقارير المؤسسات الدولية).
ومنظومتنا السياسية تتجه بخطى ثابتة نحو المافيوزية السياسية ولن تنتج بالتالي لا إستقرارا سياسيا ولا حوكمة رشيدة ولا عدالة اجتماعية ولا سيادة وطنية،
كما أن إلتقاء المافيووزيتين لن تنتجا الا حروب المواقع والمصالح والمنافع.
أما الدولة، أما الشعب، أما الوطن العادل ف… .يبطى شوية.
* نائب سابق.
شارك رأيك