من الواضح أن سقوط لائحة سحب الثقة من رئيس البرلمان راشد الغنوشي أمس، الجمعة 30 جويلية 2020، لم تحل المشكلة، بل زادت المشهد تعقيدا، وسيقوم المعارضون لحركة النهضة بمحاولات أخرى عديدة للتشويش على رئاسة البرلمان، وسيعمدون إلى تقديم لوائح أخرى ضد النهضة و ضد رئيسها، و سيظل المشهد البرلماني والسياسي في تونس مرتبكا، ما دام الغنوشي على سدة الرئاسة.
بقلم فوزي بن يونس بن حديد
سقطت لائحة سحب الثقة من الشيخ راشد الغنوشي رئيس البرلمان التونسي التي أعدتها مجموعة من الكثل البرلماتية، وفرح أنصار النهضة بتجنيب زعيمهم هزيمة نكراء، وقدموا رسالة لخصومهم أنهم غير قادرين على زحزحة الغنوشي من مكانه، وقد بدا الشيخ راشد قبل إيداع اللائحة في البرلمان للتصويت وديعا أليفا حيث ذكر أنه مستعد لذلك، ويبدو أنه موقن أيضا أنه سينتصر بحكم موقعه السياسي وضعف المعارضة التي لم تستطع جمع الأصوات الكافية لإخراجه من رئاسة البرلمان، وحيث إن الشيخ في نظره لا يستطيع أن يعمل كنائب عادي في البرلمان بحكم سنه وتاريخه النضالي فإنه عاد وأكد أنه سيمارس صلاحياته رئيسا للبرلمان في باقي المدة المخصصة لهذه الدورة.
هل سيلتزم النواب بنتائج التصويت التي أبقت الشيخ راشد في مكانه ؟
وبعد تجنيب الهزيمة لراشد الغنوشي بعد تشنجات ومناكفات وصراخ بين الأحزاب المتناقضة، حزب النهضة وحزب الكرامة من جهة والكتل النيابية الأخرى من جهة ثانية، كان رئيس الجلسة مصرا على إنهائها وإنهاء الجدل القائم بين هذه الأحزاب مهما كانت النتيجة وكان يحث النواب على التزام الهدوء في الجلسة، وفي الأخير شكرهم ومدحهم على حسن سير عملية التصويت، وذكر أن تونس تعيش الديمقراطية بتفاصيلها، فهل يمكن أن تكون تونس قد عاشت فعلا ديمقراطية؟ وما مدى تأثير ذلك على مجلس النواب واقعا؟ وهل سيلتزم النواب بنتائج التصويت التي أبقت الشيخ راشد في مكانه، وتعززت مكانته عند النواب بعد أن اهتزت في الأيام الماضية؟
قراءتي للمشهد السياسي في البرلمان التونسي تحكي أن البرلمان لن يشهد هدوءا في الأيام القادمة، وإن عملية التصويت وإن تجنب فيها الشيخ راشد الغنوشي الهزيمة وفرح فيها أنصار النهضة، هي عملية ديمقراطية شكلا لكنها عملية شرخت المجلس جوهرا، إذ قسمت النواب إلى نصفين، قسم يناصر الشيخ وقسم آخر مازال يعارضه، والدليل ما قالته السيدة عبير موسي أن النضال مستمر، وأن هناك خيانة حصلت، وأنها لا تتوقف عن النضال من أجل إنهاء مهام الشيخ راشد الغنوشي، وأنها لا تقبل بالنتيجة، رغم أنها صرحت في أكثر من وسيلة إعلامية بأنها متفائلة بالتصويت وكانت متأكدة من أنها جمعت الأصوات الكافية لسحب الثقة من الغنوشي، إلا أن الصندوق فاجأها بغير ما تشتهي فقامت قيامتها وعبّرت عن استغرابها ومواصلتها النضال.
مشاحنات ومصادمات كبيرة منتظرة في البرلمان
ومن ثم فإن البرلمان التونسي سيشهد على الأغلب في سنته الثانية من هذه الدورة مشاحنات ومصادمات كبيرة بين النواب، ربما تكون الأخطر في تاريخ المجلس لأن المشهد لم يتغير، وأنه لم يشهد وجها جديدا يرأسه، بل ظل الوجه كما هو، والمكتب كما هو، واللجان كما هي، لا يتبدّل ولا يتحوّل، وبالتالي ستظل المشاكل قائمة لا تنتهي، وستعكّر صفو الجلسات القائمة، ولن يكون هناك حلّ لهذه المشاكل العميقة التي باتت تصنف بأنها حرب ايديولوجية سببها مرجعية الأحزاب المتناقضة، ولن تمر القوانين التي تشغل الرأي العام بسهولة بل ستظل حبيسة موافقات وتوافقات حزبية يحتسي مرارتها الشعب التونسي.
عرض لائحة سحب الثقة في البرلمان لم تحل المشكلة، بل زادت المشهد تعقيدا، وستقوم السيدة عبير موسي بمحاولات أخرى عديدة ومتعددة للتشويش على رئاسة البرلمان، وستعمد على تشويه سمعة الرئيس ومحاولة تقديم لائحة أخرى أو لوائح تصنف النهضة منظمة إرهابية، وستعمل مع شركائها في الداخل والخارج على التحشيد الكبير للفوز هذه المرة بأصوات أكبر، وربما تفتعل أزمات أو لا قدر الله كوارث لبيان أن النهضة فعلا حزب إرهابي ينبغي إقصاؤه نهائيا من المشهد السياسي.
لن يهدأ المشهد البرلماني إلا باستقالة الشيخ راشد الغنوشي طوعا لا كرها
وعلى هذا إذا بقي الأمر كما قلنا، ماذا سيكون موقف الشيخ راشد الغنوشي من تحركات هذه الكتل؟ هل سيمارس صلاحياته ولا يبالي بما سيحدث؟ رغم أنه صرح بأنه سيقف من الجميع بمسافة واحدة، ولن يكون سببا في افتعال أزمات، لكن يبدو أن الطرف الآخر مصر على إخراجه بأي وسيلة، وهنا حسب رأيي لا يستقر المكان ولا يهدأ المشهد إلا باستقالة الشيخ راشد الغنوشي طوعا لا كرها، ويبقى بعيدا عن التجاذبات البرلمانية والحزبية حتى تهدأ المناكفات السياسية قليلا، ومن ثم يواصل النائب الأول الجلسات البرلمانية في المدة الباقية كما قام بذلك السيد عبد الفتاح مورو إبان وفاة السيد الباجي القايد السبسي وتوليه رئاسة البرلمان إلى حين انتخابات جديدة.
نحن مقبلون على أيام أخرى في البرلمان لتشكيل الحكومة الجديدة، بعد مشاورات يقوم بها السيد هشام المشيشي هذه الأيام، وقد يتجه إلى حكومة مصغرة دون حركة النهضة أو من خارج الأحزاب، أو له رؤية جديدة لحكومة همّها العمل من أجل إخراج البلاد من أزمة اقتصادية حادة ومشاكل اجتماعية متفاقمة، فهل سيتحرك المشهد السياسي نحو الانفراج أم لمزيد من التعقيد والانسداد السياسي؟
* صحفي و محلل.
شارك رأيك