حكومة الرئيس في نسختها الثانية بقيادة هشام المشيشي ستكون معززة مكرّمة في البرلمان، ليس فقط لأنها آخر الصواريخ على منصات الإطلاق، و لا لأن رئيس الحكومة المكلف يحظى بمقبولية عالية فقط، بل لأنها ستعيد تشكيل المشهد السياسي و الحزبي على نحو يجعل من الأحزاب منشغلة فيما يهم اختصاصها، و الحكومة منشغلة بملفاتها و بما يقع على عاتقها…
بقلم توفيق زعفوري *
قال اليوم، الإثنين 3 أوت 2020، نور الدين البحيري، القيادي في حركة النهضة و رئيس كتلته في البرلمان، أن تحالف النهضة و قلب تونس هو تحالف من أجل تونس.., نعم أي و الله من أجل تونس، لا من أجل النهضة حتى تتمكن أكثر و تتغول أكثر و تتطاوس أكثر، و لا هو من أجل قلب تونس حتى يضمن حصانة أكبر و حظوة أكبر وقرابة أكثر في محراب المعبد…
نفس الإسطوانة، مع نفس المعزوفة، الفارق الوحيد أنهم لا يملّون من الكذب، إيمانهم يمنعهم من الكذب، لذلك هم يكذبون كما يتنفسون و لا يعرفون أننا نعرف أنهم يكذبون، في كل مرة و في كل منعطف و في كل استحقاق، و في كل وقت…
كذبوا و كذب شيخهم راشد الغنوشي منذ البداية
كذبوا و كذب شيخهم راشد الغنوشي عندما سئل إن كان سيتحالف مع نبيل القروي صاحب قلب تونس فقال أنه لن يتحالف مع الفساد، حتى تحالف معه من أجل رئاسة برلمان تونس، ثم أسقط حكومة الحبيب الجملي من أجله، واستغل قضية تضارب المصالح و أسقط حكومة إلياس الفخفاخ بمبررات منها ضرورة توسيع الحزام السياسي للحكومة لتشمل قلب تونس، و عندما سئل نبيل القروي ذات لقاء عن الجهات التي سيتحالف معها فقال كل الأطراف عدى الإسلام السياسي و ما جاوره… لكنه بعد الإعلان عن نتائج الانتخابات فعل عكس ذلك بالضبط…
الخلاصة : إذا أقسموا ألاّ يتحالفوا مع حزب ما، فهو دليل قاطع على تحالفهم معه في قادم الأيام، فلا تنخدعوا…
نذكر جيدا كيف كانت حملة النداء الانتخابية مبنية على التخوين و التخويف من النهضة، كما كانت حملات النهضة مبنية على ضرب العلمانيين، الذين هم أخطر من السلفيين، و أن النهضة و النداء خطان متوازيان لا يلتقيان، فإذا بهما يتزوجان في زيجة محرمة عنوانها خيانة الناخبين بدعوى التوافق، فأضحت تونس كطائر جناحاه النهضة و النداء، و لا عزاء للناخبين! إذن، كان ذلك في مصلحة الحزب لا في مصلحة تونس!
قلب تونس : زواج لمصلحة حركة النهضة الماسكة بالملفات
نفس السيناريو يتكرر الآن مع قلب تونس، تحالف هو صورة مطابقة للأصل من الزيجات السابقة للنهضة، وزواج متعة ثم طلاق عند أول منعطف… إذا القروي عمد إلى التطاول أو ليّ الذراع أو شق عصا الطاعة، هو زواج لمصلحة النهضة الماسك بالملفات، أكثر من كونه لمصلحة قلب تونس و الأكيد أنه ليس في مصلحة تونس كما يدعي البحيري أو يحاول إيهامنا بذلك…
نحن نراقب مواقف و تصريحات الأحزاب و قيادييها و لا نتوانى في رصد الإخلالات و إتجاه الرياح… و من الواضح بعد مسرحية التصويت على سحب الثقة و اللغو الذي رافقها، فإن الساحة السياسية صارت أكثر تنظيما وأكثر تطرفا، من جهة النهضة و الإئتلاف و قلب تونس، و من جهة أخرى بقية الاحزاب على تناقضها و تنافرها، الفارق الأبرز على أهمية هذه التجمعات الحزبية، أنها فقدت المبادرة السياسية مع بداية المشاورات، خاصة إذا أخذنا في الإعتبار انعدام أي إمكانية للتعايش مع حزب نهضاوي يخاف الله في أدبياته و يحضن الفساد بذراعيه الدافئتين في ممارساته!
اليوم كشف زهير المغزاوي، النائب عن الكتلة الديمقراطية و الأمين العام لحركة الشعب، أن حركته “تفضّل الذهاب إلى انتخابات مبكّرة وإعادة الأمانة إلى أصحابها على حكومة تضمّ حركة النهضة” قائلا: ”في صورة عدم منح النهضة وبعض الكتل الثقة للحكومة القادمة لأنّهم غير ممثلين فيها فإنّنا نخير الذهاب الى صناديق الاقتراع”.
حكومة التونسيين جميعا، لا وصاية لأي حزب عليها ، ومتحررة من ضغوط الأحزاب
و هذا الكلام يوحي أن رئيس الحكومة المكلف يتجه إلى إقصاء الأحزاب التقليدية الوازنة و غيرها من المشهد لسببين على الأقل: الأول، تواجد حزب أو أكثر في الحكومة القادمة سيجعل الحكومة محسوبة عليه و لا يضمن مساندة الأحزاب الأخرى، و حتمال كبير أن تسقط في جلسة منح الثقة، لهذا من المرجح جدا أن تكون الحكومة القادمة خالية من الألوان و الأوزان!
ثانيا، حكومة كفاءات أو خالية من الاحزاب سيعزز مصداقيتها، كونها حكومة التونسيين جميعا، لا وصاية لأي حزب على الحكومة، وهو ما يجعلها متحررة من ضغوط الأحزاب و من هرسلتها، إلا إذا كانت النية خالصة في إسقاطها منذ البداية…
حكومة الرئيس في نسختها الثانية ستكون معززة مكرّمة في البرلمان، ليس فقط لأنها آخر الصواريخ على منصات الإطلاق، و لا لأن رئيس الحكومة المكلف يحظى بمقبولية عالية فقط، بل لأنها ستعيد تشكيل المشهد السياسي و الحزبي على نحو يجعل من الأحزاب منشغلة فيما يهم اختصاصها، و الحكومة منشغلة بملفاتها و بما يقع على عاتقها، النواب سيدعون إلى جلسة إستثنائية لمنح الثقة للحكومة، سيقطعون عطلتهم النيابية التي تتواصل حتى موفي سبتمبر، و يمنحون الثقة للحكومة الجديدة و يعودون إلى استكمال عطلتهم، عندها لكل حادث حديث، سنرى من يعمل لصالح الحزب و من يعمل لصالح تونس…
* صحفي و محلل سياسي.
شارك رأيك