الذي نفهمه ويفهمه الطبيعي من الناس أن السلام يُعقد عادة عند نشوب حرب بين طرفين ثم يأتي السلام لينهي النزاع بينهما ويضع بنودا يلتزم بها الطرفان، لكن في الحالة التي بين أيدينا، الإمارات وإسرائيل، فلا حدود مشتركة بينهما ولا نزاع ولا حرب قائمة بينهما فلمَ السلام إذا في غياب المعنيين به قبل غيرهم، أي الفلسطينيين؟
بقلم فوزي بن يونس بن حديد *
كلمة السلام التي وردت في الاتفاق الإماراتي الإسرائيلي حيّرتني، وأخذت منّي وقتا طويلا في التفكير، فماذا يقصد بن زايد بالسلام؟ وماذا يقصد نتنياهو بالسلام؟
قال بن زايد إنه أوقف ضم الضفة الغربية إلى إسرائيل، بينما ردّ نتنياهو بأنه لم يوقف ولم يعلّق ذلك وإنما أجّل الضم إلى الوقت المناسب، وقالت الأخبار إنه اتفاق سلام مقابل الأرض، ونفى نتنياهو هذا الزعم، وقالت الأخبار إنه السلام مقابل شراء أسلحة متطورة من إسرائيل، وردّ نتنياهو أن لا شيء من ذلك صحيح، وقال بعظمة لسانه إنه السلام مقابل السلام، كمن فسّر الماء بالماء، ولتبقى الكلمة غامضة، فأيّ سلام يقصده نتنياهو؟ وأي سلام يقصده بن زايد؟ وهل هما متفقان على السلام، أم لكل منهما مفهوم للسلام؟ ولماذا لا يعقد نتنياهو السلام مع الفلسطينيين إن كان يريد حقا السلام وهو في حرب معهم؟ ولماذا لا يعقد بن زايد السلام مع اليمنيين وهو في حرب معهم؟
الذي نفهمه ويفهمه الطبيعي من الناس أن السلام يُعقد عادة عند نشوب حرب بين طرفين ثم يأتي السلام لينهي النزاع بينهما ويضع بنودا يلتزم بها الطرفان، لكن في الحالة التي بين أيدينا، الإمارات وإسرائيل، فلا حدود مشتركة بينهما ولا نزاع ولا حرب قائمة بينهما فلمَ السلام إذا، لقد تأمّلت ثم تأمّلت وأدركت أن السلام المزعوم بينهما ربما يكون شيئا آخر.
من خلال ما رصدنا من متابعات لكلمة السلام في القرآن الكريم، رأينا أن الإسلام يحث المسلمين على السلام، والدليل قوله تعالى: “وإن جنحوا للسَّلم فاجنح لها” وغيرها من الآيات التي تبين أن السلام صفة محمودة وهي اسم من أسماء الله الحسنى العظيمة، ومن منّا لا يحب أن يعيش في سلام وبسلام مع جيرانه وإخوته وأصدقائه، ومن منّا يحب الحرب والنزاع والشقاق؟ ومن منّا يسعى لتخريب البيوت كما يقال؟
السلام مع الإسرائيليين الغاصبين من أولى أولويات الشيخ بن زايد
لا شك أن الجواب الطبيعي هو لا أحد، لكنّ بن زايد يخالف كل التوقعات ويبيّن أن السلام مع اليهود الغاصبين من أولى الأولويات، وقد تتبعه دول أخرى في ظل هذا الانشقاق، وهذا التفرّق الحزين الذي تشهده الأمة العربية والإسلامية، فالسلام مع الإسرائيليين من المستحيلات، والقرآن الكريم والتاريخ شواهد على ذلك منذ قرون، فكيف سيصنع بن زايد السلام اليوم؟
وبينما يبحث بن زايد عن السلام مع الصهاينة، يتوجّع الفلسطينيون في غزة والضفة من ألم الصهاينة، فقد اغتصبوا الأرض واعتدوا على المقدّسات، وانتهكوها، وحاصروا الناس في البحر والبر والجو، منعوهم من أبسط الحقوق، وقطعوا عنهم الوقود لتعيش غزة في ظلام دامس، وبينما يبحث نتنياهو مع بن زايد استئناف الرحلات السياحية المباشرة عبر السعودية بين الإمارات وإسرائيل، يبحث الفلسطينيون عن مأوى بعد أن هدّم الصهاينة منازلهم، وفي الوقت الذي تلهّف فيه بن زايد للصلاة في القدس الشريف كما يزعم، تنتهك عصابات المستوطنين المسجد الأقصى بتلمودهم المحرّف، ويخترقون أبوب الأقصى بنجاستهم. لقد نسي بن زايد قول الله تعالى “إنما المشركون نجس” فهل يبحث عن النجاسة والطهارة بين يديه؟ فعن أي سلام يتحدث هذا الرجل؟
فلسفة جديدة في التطبيع مع الصهاينة : السلام مقابل لا شيء
إن السلام بين الإمارات وإسرائيل، سيصنعه بن زايد ونتنياهو، السلام مقابل السلام، ولا شيء غير ذلك، فلسفة جديدة في التطبيع مع الصهاينة المجرمين، فلسفة تقوم على أن تعطيني الكثير ولا تستفيد مني إلا ما أريد، هذه استراتيجية السلام بين الزعيمين، تقوم على المنفعة الشخصية الآنية بعيدا عن أي رؤى جوهرية للموضوع، في نطاق ما يسمى صفقة القرن التي ترمي إلى تمييع جميع الدول العربية وإفهامها أن إسرائيل حمامة سلام بالضغط والقوّة والتهديد لا سيما في عهد الرئيس دونالد ترامب الذي يعمل على الضغط بقوة على جميع الدول العربية للقبول بالعرض الأمريكي، ولأنها دول ضعيفة ومفكّكة وليست في موقع قوّة فقد تتهاوى الواحدة تلو الأخرى وتتسابق نحو التطبيع الكامل دون شروط ودون أي اعتراض.
كيف يكون الإسرائيليون أصحاب سلام وهم يرسمون المنطقة من جديد وينهبون ثرواتها وينتهكون مقدّساتها ويسعون إلى احتلالها والدوس على كرامتها ؟
* محلل سياسي.
شارك رأيك