في مثل هذا اليوم من كل عام منذ 10 سنوات، يتذكر الرئيس الأسبق المنصف المرزوقي سيدي بوزيد و اندلاع شرارة الثورة و الكذا… ككل من تداول على السلطة منذ عشرة سنين.
و في ما يلي نص ما كتبه الرئيس المرزوقي:
شهادة للتاريخ
بمناسبة الذكرى العاشرة لانطلاق ثورات الربيع العربي في مثل هذا اليوم 17 ديسمبر 2010 دخل محمد البوعزيزي الشاب التونسي الفقير التاريخ من أوسع أبوابه وجسده الملتهب نارا يطلق من مدينة سيدي بوزيد شرارة الثورة المباركة. هكذا انتفضت تونس ولحقتها بعد أسابيع وأشهر مصر وليبيا واليمن وسوريا وبعد سنوات الجزائر والسودان والعراق ولبنان… والحبل على الجرار. وإبان هذه الثورات التي سُميت الربيع العربي، عشنا تجارب غير مسبوقة في تاريخنا،
فجأة عاد الأمل وأصبحت أغلى الأماني كأنها على وشك التحقيق، فجأة ولو لفترة خاطفة أصبحنا نحبّ بعضنا البعض، نحترم أنفسنا والآخرين ولم يكن ذلك من عاداتنا،
فجأة أصبحنا نفخر بوطننا، نرفع أعلامنا بكل تلقائية وحبّ صادق،
فجأة من شعوب لا يُسمع عنها إلا من خلال أخبار الحروب والإرهاب، أصبحنا محلّ اهتمام عالم أدهشته ثوراتنا بسلميتها وتحضرها، باستعمالها الذكي للتكنولوجيا الحديثة، بتكذيبها أوهام البعض ومخاوف البعض الآخر وهي لا تطالب إلا بالدولة المدنية، بالديمقراطية وبالعدالة الاجتماعية.
فجأة من ضحايا التاريخ أصبحنا من صنّاعه.
أي تقييم بعد عشر سنوات لأكبر حدث في تاريخنا منذ التحرّر من الاستعمار في منتصف القرن الماضي؟
ما نحن متأكدون منه أن أهمّ مكسب للربيع العربي تحقّق وهو التغيير الجذري في عقول وقلوب العرب وقد عزموا أنه ” لا خوف بعد اليوم ” في علاقتهم بالنظم السياسية التي تتحكم فيهم منذ قرون.
ما يحقّ لنا أن نفاخر به أن شوكة شعوبنا لم تكسر رغم همجية الثورة المضادة في سوريا واليمن وليبيا ومصر بل وأننا شهدنا توسّع الحراك الثوري مسفّها أماني الحالمين بإرجاع شعوبنا لبيت الطاعة القديم.
وأيضا، يقيننا أن صراع شعوبنا ضد الاستبداد لن يتوقف إلا برحيله كما حدث مع الاستعمار.
إلاّ أن كل هذا لا يخفي تعثّر مسار هذه الثورات والثمن الفظيع الذي دفعته ولا تزال شعوبنا لهذا التعثّر.
فقد دّمرت سوريا وليبيا واليمن وعاد الشعب المصري للعيش تحت دكتاتورية أعنف من التي انتفض ضدها. وفي تونس نجحت الثورة المضادة عبر شركات سياسية وإعلام مرتزق مكلّف بتضليل الشعب في اختطاف الديمقراطية التي جاءت بها الثورة، فإذا بنا ننتقل من استبداد فاسد إلى ديمقراطية أفسد ضيّعت بنفس الكيفية فرص العيش الكريم لشعب يزداد فقرا وإحباطا وغضبا يوما بعد يوم.
أما في الجزائر والسودان ولبنان، فالثورة تراوح مكانها لا أحد يعلم الثمن الذي ستدفعه هي الأخرى.
وراء هذا المصير الذي لم يكن أكثرنا تشاؤما يتوقّعه، كم من عشرات الآلاف من القتلى، من الجرحى الذين يقاسون لليوم الأمرين ! كم من آلاف من المعتقلين، كم ملايين المهجرين، المجوّعين، المعذبين، اليائسين، الفارين من وطن أصبح هو والجحيم سيان!
يا الله كيف انقلب الحلم الجميل إلى مثل هذا الكابوس المرعب؟
إن أهم واجباتنا اليوم قبل مواصلة طريق لا بديل عنه، البحث في أخطائنا وتحديد المسئولين عن كارثة لم تعرف لها شعوبنا مثيلا حتى في أصعب مراحل مقاومة الاستعمار؟
كما لا تنفجر قنبلة دون وجود مكوّنات عدة داخلها، فإن الكارثة لم تقع إلا لتضافر أخطاء جماعية لا يمكن لأي من الأطراف السياسية التنصل من مسئوليتها.
الثورة التونسية نموذجا.
كأول رئيس منتخب ديمقراطيا بعد إسقاط الدكتاتورية، أستطيع أن أفاخر بإتمام المهام الثلاث التي انتخبت من أجلها أنا وإخواني وأخواتي في المجلس التأسيسي ألا وهي المحافظة على تواصل الدولة، كتابة دستور الجمهورية الأولى بديلا لجملكية بورقيبة وبن علي والإعداد للانتخابات ليختار الشعب سلطة مستقرة تعيد بناء البلاد.
إلا أنني أعترف وأعتذر عن عدم نجاحي في إبقاء قطار الثورة على السكة. حقّا جزء من التقصير كان نتيجة سوء اختيار بعض مساعديّ وضعف مواجهة القصف الإعلامي واتخاذ بعض القرارات غير الموفقة . لأؤكّد هنا بمنتهى الوضوح أنني خلافا للأكاذيب الحقيرة لم أسفّر شبابنا لسوريا بل أنا من منعته، ولم أسلم البغدادي المحمودي ومن سلمه هو رئيس الحكومة حمادي الجبالي. أما قطع العلاقات الدبلوماسية مع سفاح دمشق فمساهمتي المتواضعة في دعم ثورة أهلنا في سوريا وهو أشرف وأحسن قرار اتخذته لم ولن أندم عليه يوما رغم تكلفته الانتخابية الباهظة.
إن جلّ نصيبي من المسؤولية نتيجة خطأين أساسيين:
تمثل الأول في سوء تقدير شراسة الثورة المضادة وحقارة أساليبها والدور المدمّر للإعلام الفاسد وعدم التصدي بالحزم الذي يحبّون لأناس يخافون ولا يستحون.
الخطأ الثاني رهان خاسر على التحالف مع حركة النهضة، هذا التحالف الذي فرضته نتائج انتخابات 2011 والذي لم يكن بالإمكان عبور المرحلة الانتقالية الخطيرة بسلام بدونه.
وإن دعوت ولا أزال لتجاوز الخلافات العقيمة بين العلمانيين والإسلاميين لنتجمّع كلنا حول قيم حقوق الإنسان وآليات ومؤسسات الديمقراطية، وإن كنت ولا أزال مقتنعا بأنه من حق الإسلاميين أن يحكموا إن جاءت بهم الانتخابات الحرة، أن أكثرية حركة النهضة ناصرت الثورة وأهدافها ولا تزال، أنه لا حقّ لاحد ولا مصلحة للبلاد في اقصاء -فما بالك باستئصال- جزء ثابت ومكون من الشعب…. فإنني أشهد للتاريخ، عن تجربة مباشرة وبعيدا عن التحامل وتصفية الحسابات، أن قيادة النهضة كانت السبب الرئيسي في إجهاض ثورة ديمقراطية أعطتها السلطة على طبق من فضة، فأرجعتها على طبق من ذهب للثورة المضادة عدوة الديمقراطية. لقد تمّ ذلك عبر خيارات فاجأت كل الذين قبلوا عن وطنية صادقة وبحثا عن تصالح شقي المجتمع العمل مع الإسلاميين وتمثلت هذه الخيارات التي أجهضت الثورة أساسا في:
1-التصدي لقانون تحصين الثورة والقبول بالمصالحة دون المحاسبة والدعوة في الدور الثاني في رئاسية 2014 للتصويت ضدي أنا الحليف المفترض مرشح الثورة لصالح قائد ومرشح الثورة المضادة علما وأن رئيس النهضة أخفى عني وعن كل التونسيين فحوى الصفقة التي عقدها معه في باريس صيف 2013.
2-التحالف المتواصل مع كل من هبّ ودبّ من الفاسدين الهاربين اليوم وغدا من العدالة، المتجاسرين على اسم تونس يلصقونه انتهازية ونفاقا باسم شركاتهم”
شارك رأيك