الموت في حفرة، في نقارة، في بالوعة في منحدر،… تكاثر، تكاثر و يتكاثر و لازال يتكاثر ملتهما أطفالنا و شبابنا و آخرها الشاب الطيار محمود ثابت، ايقونة المواقع الاجتماعية، تم العثور عليه في سيارته مساء أمس الإثنين 28 ديسمبر 2020 بعد فقدانه منذ الجمعة الماضي، و نطقت الكاتبة و الجامعية ألفة يوسف و كتبت صباح اليوم التدوينة التالية:
“سامحونا…نحن؟ لا أعرف من نحن بالضبط، جماع جيل سبقكم، فشل في أن يصنع لكم من هذه البلاد جنة كتلك التي عشناها… تعلمنا في مدارس عمومية حكومية، جاء بعضنا من أرياف قصية، حصلنا على مستوى متميز، وتركنا لكم مدارس برامجها ضحلة، ومعلمين وأساتذة بعضهم يتقن الأخطاء وفن تقزيم التلاميذ، ومستويات هزيلة تقابلها شهادات ضخمة لا قيمة لها ولا وزن…
تخرجنا، ومهما يكن مستوانا التعليمي، حصلنا على عمل في سرعة البرق، استقللنا عن عائلاتنا، بعضنا تزوج وأنشأ أسرا، وتركنا لكم بطالة فاغرة فاها تأكلكم تسرق منكم أي حلم في الاستقلالية وبناء الذات…
خرجنا، سهرنا في المقاهي والمطاعم بأنواعها، ضحكنا، مزحنا، لعبنا. عشنا شبابنا بكل جنون في بلاد آمنة عموما، يحييك فيها عون الأمن حين تعود إلى منزلك في الساعة الثانية بعد منتصف الليل بابتسامة، تركنا لكم خوفا ورعبا، تركنا لكم كلمة غريبة اسمها براكاج، وحظرا للتجول يمنعكم من أي فرح وانطلاق هما سمة الشباب، تركنا لكم فزعا من إجرام متربص في أي لحظة، دون أن يمسك المجرم، وحتى ان قبض عليه، فلكي ينفق عليه الوالدان في سجن يرتضيه هو نفسه بدل التشرد في الشوارع…
سامحونا، لا أعرف من الذي صنع بتونس الخضراء حفرة من حفر جهنم…أو ربما أعرف، ولكني أخاف…أخاف أن أجد نفسي في حفرة ويقال انه حادث، أخاف أن أجد نفسي في زنزانة ويقال انها تدوينة خادشة بالحياء، أخاف أن أجد نفسي موصومة ومتهمة في بلاد لا يحكمها أحد…او لعله يحكمها من لا أجرؤ على نطق اسمهم جبنا… سامحونا…اليوم، وانا وراء حاسوبي ، أراجع نفسي ذاتا فردية، فلا أجد ما يشين تجاهكم، لكن أراجع نفسي ذاتا جمعية، فأستحي من النظر في عيونكم…
تركنا لكم خرابا…يحكمه خراب…
خراب على خراب…فماذا نحن فاعلون؟ فماذا أنتم فاعلون؟
وما ازال مع ذلك أرى بصيص النور قادما…انه لا ييأس من روح الله إلا القوم الكافرون…”.
شارك رأيك