تصريحات رفيق عبد السلام بوشلاكة القيادي في حركة النهضة الإسلامية حول بدايات عبير موسي – رئيسة الحزب الدستوري الحر – في حزب الوطد اليساري تندرج في سياسة الإسلاميين التي تعمل على تكريس الاستقطاب الثنائي من خلال استمرار استعمال ملزومة بكائية المظلومية لدى حركة الإخوان.
بقلم محمد بوزيد *
رفيق عبد السلام بوشلاكة يعتبر أن عبير تربّت داخل حزب الوطنيين الديمقراطيين الموحد (الوطد) وأنها كانت شيوعية مندسة داخل التجمع الدستوري الديمقراطي و تمثل الشق الاستئصالي داخله. هذا كلام خطير و فيه تبرير، بين الأسطر، بأنهم أراحوا البلاد من خطر الوطد بقتل أبرز رموزه.
الوطد ليس تهمة كما يوحي بذلك السيد بوشلاكة و لم يكن استئصاليا، إذ أن تلك كانت سياسة بن علي و من قبله بورڨيبة تجاه خصومهما، و كان الوطد من أبرز معارضيهما و أكثرهم جذرية و دفع ضريبة الدم و السجون و المعتقلات و فرز مناضليه في الانتداب و العمل.
الوطد لم يكن أبدا حزبا استئصاليا و إن ظل دوما مناهضا للإسلام السياسي
إلا أن الوطد كان دائما و لا يزال ضد سياسة تقارب الديمقرطيين و التقدميين مع حركة النهضة و ضد أي محاولة لفك عزلتها سواء بالاتفاقات او التحالفات ما لم تقم بمراجعات جدية حول علاقتها بالعنف و التكفير و التحريض و الارتباط بحركة الإخوان المسلمين عالميا، و كان رافضا، الوطد، خلافا لحزب العمال مثلا، لما يسمى باتفاق 18 أكتوبر 2005 معها في إطار جبهة موسعة للمعارضة التونسية ضد استبداد زعبع ما سمح لها بأن تقدم نفسها على أنها حزب إسلامي ديمقراطي مقبول سياسيا من قبل ( بعض) الديمقراطيين و التقدميين. وهي الأخطاء التي يواصل البعض تبريرها و الدفاع عنها، كحمة الهمامي و نجيب الشابي و مصطفى بن جعفر و محمد عبو و منصف المرزوقي رغم كل ما حصل منذ ذلك الحين.
و لمن يرغب في مزيد التعمق في الموضوع أنصح بقراءة الدراسة المتميزة للكاتب و المفكر هشام عبد الصمد بعنوان “اليسار و الإسلام السياسي او الصراع المعلّق. عودة على حركة 18 أكتوبر في تونس” (بالفرنسية عن دار نشر نشاز.(1)
بوشلاكة ومحاولة استعادة سياسة الاستقطاب الثنائي
مثل هذه التصريحات هي محاولة لاستعادة سياسة الاستقطاب الثنائي من خلال استمرار استعمال ملزومة بكائية المظلومية لدى حركة الإخوان وهي الشق الثاني لتأسيس مشروعيتها السياسية Yلي جانب شعار الدفاع عن الإسلام و الذَيْن بدونهما تفقد أي تسويق و اي جاذبية لخطابها السياسي.
هذه التصريحات إذن ليست اعتباطية او ناجمة عن جهل و غباء بل تبحث عن خلط الأوراق و تستعيد خطاب المظلومية نظرا للمأزق السياسي التي تجد نفسها فيه: التفسخ التدريجي لتحالفاتها السياسية التي تقودها مع أحزاب متورطة في قضايا فساد و في شعبوية سوقية و مبتذلة بعد أن كانت تتحالف مع أحزاب لها نوع من المصداقية على الأقل شكليا، اشتداد تناقضاتها الداخلية و صراع الخلافة بين مكونات قيادتها، و تراجع التأييد الشعبي لها وانفضاض قاعدة مناضليها الذين اكتشفوا زيفها و عدم كفائتها في ممارسة الحكم و قيادة البلاد، بالإضافة طبعا إلى أزمة حكومتها.
ينسى السيد بوشلاكة أن الوطد، خصوصا عبر المرحوم الرفيق فوزي بن مراد، هو من كان وراء حل حزب التجمع الدستوري الديمقراطي بقرار قضائي و كانت عبير موسى بالذات هي محاميته و أبرز المدافعين عنه وهي تحاول الان إعادة إحيائه كنتيجة لانتهازية حركة النهضة التي “توافقت” مثلما يحلو لرئيسها القول دائما مع الباجي قايد السبسي من أجل عدم إقصاء رموز التجمع من الحياة السياسية و عدم محاسبتهم بل واقتسام السلطة معهم، و ما تعيين الغنوشي أخيرا لمحمد الغرياني – اخر أمين عام للتجمع – كمستشار شخصي له إلا دليل على ارتباط مصيرهما، حتى الموت.
يعيش الائتلاف الطبقي الحاكم في تونس أزمة قيادة منذ عشر سنوات تتمظهر في الصراع بين مكوناته حول من سيقود السلطة و لا يعني ذلك اختلافا في سياسة كل مكوّن له اقتصاديا و اجتماعيا.
إن اختلاف مكونات الائتلاف تنحصر في اختلاف الرؤية لأولويات تحالفات تونس الإقليمية و الدولية، قطر أو الإمارات، تركيا أو الإتحاد الأوروبي أولا، و مدى احترام الدولة للحريات الفردية ثانيا و لكن كلاهما يتفق في مواصلة سياسة التبعية للامبريالية اقتصاديا و سياسيا و عسكريا و تجاهل مطالب الشعب في الشغل و الحرية و الكرامة الوطنية.
من الواضح أن تخبط النهضة سياسيا يدفع بها إلى التخبط في تصريحاتها و تبريراتها من خلال محاولاتها لفت الأنظار عن مسؤوليتها في تردي وضع البلاد الحالي وهي محاولات لن تتوقف عند التصريحات و “ستلجأ للعنف اللفظي و المادي كلما زادت عزلتها”.
لدينا جثتين في “حالة وفاة” و من الضروري الإسراع بدفنهما.
* ناشط سياسي تونسي مقيم بجينيف.
Hichem Abdessamad – La Gauche et l’Islam politique ou le conflit suspendu, Retour sur le mouvement du 18 octobre en Tunisie
شارك رأيك