لأن موضوع القضية الفلسطينية قد إستوفى كل طرق المعالجۃ و جل مناهج التحليل و أغلب زوايا النظر، فقد أصبح البحث عن زاويۃ جديدۃ أو أسباب جديدۃ للنظر واجبا يحتمه علينا الذوق قبل كل شٸء، كي لا نصيب القارىء بغثيان تكرار أفكار و أساليب رسميۃ مسرفۃ في الجديۃ، و في التعالي علی التفكير البسيط لعوام المتعاطفين و مناصري القضيۃ. لننظر إلی القضيۃ من الزاويه الممتدۃ بين عيون سكان افريقيا و بين بطون متخمي العرب، لأن أقرب طريق إلی ذهن العربي هو السخريۃ من الواقع و من القدر.
بقلم أنور بن سعيد *
بعد إكتشاف النفط لم يعد العربي مجبرا على تعليم أبنائه لا السباحة ولا الرماية و لا ركوب الخيل، فللسباحة استقدم سباحا أستراليا متحصلا على أخر أولمبياد، و للرماية جنديا متقاعدا من صفوف المارينز، و لركوب الخيل حفيد “روبن هود” شخصيا. أما بالنسبة لأخلاق أبنائه فقد استعان ببروفيسور هندي موظف سابق بجامعة أكسفورد قسم تنمية بشرية.
بركات اكتشاف النفط
منذ اكتشاف النفط، تلك الثورة الكوبرنيكية الخاصة بالعالم العربي كل شيء أصبح “ديلفري”… حيث يمكنك أن تطلب كل شيء من الخارج. فالعرب الذين عُرفوا قَديمًا بِقُدُورِهِمْ التي تُشبع جيوش الزائرين الجائعين من بني السبيل و السائلين لم تعد تُوقَدُ النار تحت أوانيهم، لم تعد نساؤهم على إستعداد لطبخ الطعام حتى لأهل البيت، أصبح أعوان “البيتزا هات” و “الهمبرغور فود” يَدُقّون أبوابنا أكثر من أعمامنا و يحفظون عناوين بيوتنا أكثر من خالاتنا، فنساؤنا قد شُحِنت جداول أعمالهن بمواعيد مؤتمرات تحرير المرأة و لم يعد لديهن وقت لغير الكوافير، و بِالمِثل لم يعد للرجل العربي وقت لتربية أبنائه وفق الأخلاق التي أتى رسولنا الكريم لإتمامها، لأنه أصبح مشغولا بالسفر “للاس فيغاس” للمشاركة في المزاد الذي أعلنت عنه “كريستينا” تلك الفتاة العشرينية الشقراء لبيع عذريتها، و هذا بهدف الانتقام لعذرية أوطاننا المغتصبة… بالطبع مع المحافظة على سنوات الورع التي تربى عليها منذ السن الأولى لتمييزه بين الحلال و الحرام. فهو و بعد إجتهاده في الفوز بشرف كريستينا ضيق الفتحة و زاهي اللون سيشترط عليها عقد قِران شرعي كما يرضاه الله و رسوله.
كل شيء هنا أصبح “ديلفري”، فحتى عباءات المتدينات أصبحت تأتينا من أشهر دور الأزياء بباريس أو ميلانو، تفصّلها “كاترين” في الشان إيليزي لفاطمة الزهراء التي تسكن نهج عمر بن الخطاب بجِدّة، و العطور الممسكة هي الأخرى تأتينا من إيطاليا بعد أن يتأكد من رائحتها “باولو” بفينيسيا ليُوقّع موافقته على الشحنة التي سيستقبلهاعبد الناصر بمكة ليبيعها لحجيج تلك السنة.
أصبحنا نستورد أسرع الطائرات كي لا نتأخر في رمي مساعداتنا لجيراننا في اليمن، و أسرع السيارات التي تبلغ قوتها الكثير من الأحصنة لتعوض القوافل التي نرسلها لإفريقيا لإيصال الأدوية لأشقائنا المسلمين، دون أن نُغفل عند استيرادها اشتراط قوة الدفع الرباعية كي لا يقف وحل تلك المناطق دون حقن دماء إخوتنا بالنخوة العربية التي قررنا مدهم بها من صناديق سياراتنا المريحة أكثر من أسرّة الزوجية لأهل تلك القارّة
فتاوي من أجل سكينة الدين الحنيف
أما بالنسبة للأماكن التي لم يسعفنا الوقت كي نحفر بها آبار مياه عميقة لإستخراج مياه صالحة للوضوء، فإننا و في مرحلة أولى سننظم لهم و على شرفهم صلاة استسقاء نسأل بها ربنا و ربهم أن ينزل عليهم السماء مدرارا في إنتظار الإنتهاء من مشاغل تنظيم كأس العالم، لأن مشائخنا يجزمون أن الصلاة لا تقبل إذا تَمّت عملية الغُسل أو الوضوء بنفس ماء البِرَكْ الذي يملؤون منه بطونهم.
و على ذكر المشائخ فحتى المشائخ الذين لا تناسب فتاويهم نزواتنا أصبحنا نستبدلهم بفضل خدمة “الديلفري”، فإذا يقوم أحد الأمراء بتنزيل إعلان على صفحتة بالتويتر للبحث عن شيخٍ حداثي، سوف تفقد أَمل الترشح من كثرة تعليقات المترشحين و من عددهم الذي ستمل من إحصائه، فالجميع أزهريا كان، زيتونيا أو قرويا، عثمانيا أ و ماليزيا على استعدادٍ للاجتهاد و تقديم فتاوٍ عَصرية طازجة لصاحب السمو، تأويلات ديلفري ساخنة تقدم له على عتبة غرفة نومه لتدخل على ضميره الحائر سكينة الدين الحنيف.
هذا النفط نعمة ساهمت في توثيق عُرى الدين و تأصيل قيمة فلغض البصر استقدمنا سيارات fumé كي نطمئن على أحوال رعيتنا دون أن نُرى، أُسْوةً بسيدنا عمر بن عبد العزيز. و درءا للأخطار و ضمانا لعدم الإلقاء بأنفسنا في التهلكة سيارات رئاسية مصفحة، و عملا بوصية حبيبنا محمد كي نستتر بمعصيتنا اشترينا طائرات خاصة لنتجنب الإختلاط عند سفرنا لإسبانيا لممارسة مجوننا أو لبنان لإطفاء شذوذنا و لليونان لاستباق الحور العين و إيجاد الفرق بين الدارين، فنحن خلفاء إبن رشد نمارس الاعتزال على طريقتنا فعوض القيم الكلاسيكية البالية من فتوة و مروءة و فحولة أصبحنا نستورد الديمقراطية و حقوق الإنسان و الفياغرا، كما نالت حقوق الحيوان إعجابنا فقررنا الاعتناء بجِمالِنا و إعفائها من أنشطة نَقل السلع و الحجيج و تعويضها عن زمن الفتوحات و حروب الردة، فأقمنا لها مسابقات عَدو نَصْرِفُ عليها من عائدات النفط جوائز قَيّمة و خبراء من الخارج و نقل مباشر على أقمار صناعية مخصصة لها، اعترافا منا بجَمِيلها خلال الفَتح المبين لرسولنا الكريم.
بعد أن أصبحنا موضوعا للضحك، و إذا كنت أحد العرب المغتربين ببرلين فمن العادي أن يطرق سمعك حوارا بين مواطنين ألمانيين، ليسأل الأول الثاني هل رأيت ماذا إشترى الأمير القطري، لا لم أرى! لقد اشترى حقوق بثّ كل مباريات الدوريات العالمية لكنه اكتشف لاحقا أن صحرائهم لا يوجد بها إرسال وبلدانهم لا توجد بها حقوق أصلا فتعرضت قنواته للقرصنة…
هل سمعت عن ذلك الجنرال الإفريقي؟ …لا لم اسمع !! … جنرال على شعب من الجياع اشترى أسطولا من الدبابات الروسية دون أن يكترث لمواطنيه الذين يعانون سوء التغذية… هل بلغك خبر الفنانة الإماراتية أحلام ؟ لا أول مرة اسمع باسمها !… لقد اشترت قطة بيضاء بمليون دولار…
قريبا سنصدر الكسل لكوكب اليابان
كما ترون الكل يرموننا بأحكامهم المسبقة و يقولون أننا مستهلكون فقط، لكن لا أحد يعلم أننا بصدد تحضير مفاجئة للعالم فقريبا سوف نقوم بتصدير عديد المواد التي تكدس إنتاجها بدولنا، سنصدر الكسل لكوكب اليابان، الغش للإنجليز، و التراخي للألمان، و الحزن للدول الإسكندنافية الأكثر سعادة، و الرغبة الجنسية لكل الدول التي يعاني مواطنوها من البرود الجنسي و الجُبن البشري مكان الجُبنة الهولندية، و الحليب كامل الدسم لسويسرا لصنع الشوكولاتة، فنحن قطعان من البقر و أفواج من الرؤوس التي لا تصلح لغير التعليق أمام محلات بيع اللحم الحلال.
هنا كل الواجهات زجاجية شفافة لكن مستقبلنا ضبابي مجهول، كل الطرقات معبدة لكننا نسير دون أن نتقدم كأننا على كرسي هزاز، كل مبانينا شاهقة لكن سمعتنا في الحضيض، كل بناتنا عذارى لكن كل ذكورنا مغتصبون، كل أوطاننا بأناشيد لكن شعوبنا حزينة، كل دولنا بأعلام لكن أعلامنا مخصية لا ترفرف، الكل يعاني من السمنة لكن لا يوجد مواطن عربي واحد شبعان، الكل يملك هواتف ذكية لكن لا أحد يحفظ جدول الضرب، الجميع يلبس أخر الماركات و يتعطر بأحدث العطور و يقود أخر السيارات وهذا ما جعلنا في أخر الترتيب في كل شيء، كل شبابنا يبحر على الأنترنت كامل أيام الأسبوع لكن لا أحد يعُود جدته يوم الأحد، أجدادنا أبطال حروب و غزوات لكن أحفادهم أبطال ألعاب فيديو، هنا حيث توجد ثروة من الثلج في قلب الصحراء، و يوجد رعاة إبل تحولوا إلى رعاة سلام.
* أستاذ تنشيط ثقافي.
شارك رأيك