قبل أن تعبر النهر، لا بأس أن ترمي فيه حجراً، ذاك ما فعله قيادي النهضة عماد الحمامي عندما صرح ليلة أمس – الأحد 28 فيفري 2021 في برنامج “وحش الشاشة” على قناة التاسعة – عن إمكانية التحالف مستقبلا بين الحركة الإسلامية و الحزب الدستوري الحر، و ذلك يعني مبدئيا تحالف راشد الغنوشي و عبير موسي… وهو ما أثار استغراب عدد كبير من الملاحظين و المحللين.
بقلم توفيق زعفوري *
يُفهم تصريح عماد الحمامي من زاويتين، الأول شخصية، و الثانية سياسية…
أما من الناحية الشخصية، فهذا الكلام أشبه بتحريك المياه الراكدة و الدفع بالأمور إلى الحافة علّ شيئا ما يقع، وهو الآن لا يُلزم حركته في شيء، يبقى مجرد رأي شخصي قبل أن ينضج… فهو إذن يفهم من باب الإستفزاز أو البالون الإختباري… هو دغدغة من طرف واحد، إن هي أفرزت ميلا أو تجاوبا سيترجم إلى تحالف في المستقبل، فيمكن تبنيها و البناء عليها، أما و إن كان العكس فهي تبقى في حدود الشخص و لا تتعداه و لا تلزم الحركة سياسيا، و كثير من قيادات النهضة قد شذّوا عن الإجماع و منهم من انسحب من مجلس الشورى و منهم من انسحب من النهضة و من الحياة السياسية برمتها، وهم كُثر…
الغنوشي يرسل لخصومه الورود
أما من الناحية السياسية، و بكل برغماتية، فإن الغنوشي الذي دعا حمة الهمامي إلى مخاطبة الحشود، على رمزيتها و ذكائها، لا يرى مانعا أبدًا في التحالف مع الدساترة الذي تبناهم و فتح لهم الأبواب و صالحهم و اختار من بينهم محمد الغرياني، آخر أمين عام للتجمع الدستوري الديمقراطي المنحل، ليجعل منه مستشارا له، فهو كما يقول يرسل لخصومه الورود…
لا يرى الغنوشي مانعًا في التحالف مع عبير، و إرسال الورود إليها، فقد تحالف مع النداء بعدما اتهمه بأنه أخطر من السلفيين و تحالف مع التجمعيين بعد أن أقسموا برب الوجود أن التجمع لن يعود، فوقع رسكلته و أصبح مناضل التجمع بالأمس، هو مناضل النهضة اليوم، تحالف مع نبيل القروي بعد أن كرر مرارا أنه لا يشبهه و لا يمكن التحالف مع الفساد، و انتخاب قيس سعيد في نفس الوقت، فذلك في رأيه تناقض بيّن لا يمكن أن يستقيم، و لكنه تحالف في الأخير مع قلب تونس الفاسد من أجل كرسي البرلمان..
الغنوشي يمد يده للجميع من أجل النظام البرلماني و ربما من أجل قرطاج و من أجل بقاء الحركة و ديمومتها، وهو مستعد أن يذهب بعيدا و أن يتحالف حتى مع الشيطان، و يُلاعبه، لكن هل يمكن أو هل ترضى عبير موسي بالتحالف مع المرشد الإخواني الذي تكن له عداوة قوية !؟
موسي و الغنوشي خطان متوازيان لا يلتقيان أبدا
في عالم السياسة لا شيء قطعي للأبد، هي فن الممكن، والغنوشي أكد سابقا أنه لن يتحالف مع نداء تونس، ثم أصبحت تونس طائر جناحاه النهضة و النداء، حسب تعبيره، و أعلن أنه لن يتحالف مع قلب تونس و رئيسه نبيل القروي ثم تحالف معهما…
ما الذي يجعل عبير موسي تتمسك إلى مالا نهاية و لو بصورة مبدئية بعدم التحالف مع النهضة!؟ ألا يمكن لها أن تكون كمن سبقها، تقول شيئا و تفعل عكسه، و المبررات جاهزة، منها أولا و أخيرا إكراهات السياسة!
المتابع للشأن العام و الشأن الحزبي، يرى أن موسي و الغنوشي خطان متوازيان لا يلتقيان أبدا… ذاك الظاهر، للإستهلاك الشعبي، وهو لعبة سياسية معروفة، السب على المباشر و الشيطنة والتجريح من أبجديات العمل السياسي و لا يعاقب عليه القانون!
أما التحالف البعيد جدا يمكن أن يكون قريبا فقط عندما تنضج أسبابه، أو يُدار من الخارج، وكل مسرحيات عبير موسي المباشرة و “اللايف” ما هي إلا توابل لازمة في العمل السياسي و في الدعاية الحزبية، فبالنظر إلى سبر الآراء الحالي، لو تواصل إلى الاستحقاقات التشريعية الآتية مع تنقيح القانون الإنتخابي، سنجد أنفسنا أمام قطبين: النهضة من جهة و الدستوري من جهة أخرى، لا أحد منها قادر على الحكم بمفرده، و نعود إلى مبررات الباجي قايد السبسي وقتها و إلى إكراهات السياسة، و يصبح الحل إما في التحالف المر، أو الزيجة اللازمة، أو إعادة الانتخابات و ترتيب الأمور من جديد، أو ربما بلقاء عبير/ الغنوشي على شاكلة لقاء باريس الشهير بين قائد السبسي والغنوشي عام 2013، أما من يهندسه، فهو حتما وسيط طرف في الحلف المزمع طبخه و توظيبه…
كل شيء ممكن فقط ننتظر و نرى…
* محلل سياسي.
شارك رأيك