لا شك أنّ الاستقلال الوطني، الذي تحتفل تونس اليوم السبت 20 مارس 2021 بذكراه 65، كسب ثمين جدا، وأثمن منه روح النضال والجهاد التي أوجدته. وإذا كان من الواجب علينا أن نحافظ على الاستقلال، فإنه من باب أولى أن نعمل على تعزيز ايماننا به.
بقلم العقيد محسن بن عيسى *
يقال أنّ ذاكرة الشعوب ضعيفة فهي تنسى ما مضى وتتذكر فقط هموم يومها الذي تعيشه. ولكن صفحات التاريخ دوّنت النضال المجيد لزعماء تونس ومناضليها، هذا النضال الذي لم يكن رمزيا، بل تميّز بخالص الولاء للوطن.
لنحيا من أجل الآخرين
لا يمكن تناسي أحداث الجلاز سنة 1911 والإعدام شنقا للمرحوم “الجرجار” بسبب اتهامه بتدبيرها. ولا بدّ من الوقوف عند الدرس الكبير المستخلص منها، كيف يصل إنسان إلى التضحية بنفسه من أجل مبدأ؟
لا يمكن التغافل عن سرد المسار الطويل والشاق للحركة الوطنية، والثورة المسلحة، ونضالات الزعماء، والشعب. هذا ليس بكلام إنشائي وإنما تذكير بدروس التاريخ. علينا أن نفهم أنّ حركة التحرر قادتنا لبناء الدولة الوطنية المستقلة، والذين ناضلوا من أجل الاستقلال، ضحوا أيضا من أجل أن نحيا بكل ما تحمله الكلمة من معنى.
ومهما تزايدت الخلافات والمساومات وغاب الاستقرار السياسي والاجتماعي، فانّ للشعب التونسي إمكانيات النهوض مجدّدا، واستعادة الدولة، وسيادتها، وهيبتها. وهي مسؤولية لا تزول بالتقادم، بل هي حتمية تاريخية.
لا بديل للدولة الوطنية
لا ريب في أنّ التاريخ يسير إلى الأمام، ولكنه أحيانا مضطر للعودة الى الوراء، لكي يلتقط أنفاسه، ويصفّي حساباته مع نفسه، ثم يتخفّف من أثقاله التاريخية. كنا نعتقد أننا استوعبنا الحداثة في مجملها فإذا بنا نكتشف أننا عدنا بعد 2011 لنتخبط في متاهات العصور اللاهوتية واشكالياتها وفتاويها المرعبة.
من المعلوم أنّ الثورة الفرنسية كانت مضادة لرجال الدين فلم ترفع صورهم في التظاهرات الحاشدة التي نظمتها في باريس، بل رفعت بالأحرى الصور المضادة لهم أي صور فلاسفة الأنوار وبالأخص جان جاك روسو وفولتير. و هنا يكمن الفرق الهائل بين هذه الثورة وما تسميه البلدان العربية “ثورات”. فشتان ما بين روسو وفولتير من جهة، وسيّد قطب والقرضاوي من جهة أخرى. هنا يكمن أيضا الفرق الجوهري بين الثورة التي دشنت العصور الحديثة والانتفاضات العربية التي انتهت بالربيع الإخواني الأصولي.
هناك حاجة للعودة بقوة لمفردات المواطنة والوطن والوطنية استنادا الى حقيقة موضوعية قائمة لا يمكن تجاوزها. يمكن التنظير لصيغ جديدة تتعايش مع الظروف المستجدة، ولكن بعيدا عن الأشكال التقليدية للدولة فلا أساس أخلاقي لأي مشروع سياسي آخر كبديل للدولة الوطنية.
أعتقد أنّ مقاومة الاستعمار حققت الاستقلال ومجابهة “الجهل المقدس” هو الخيار المستقبلي للمحافظة عليه.
* ضابط متقاعد من سلك الحرس الوطني.
شارك رأيك