اليوم يهلّل الكثيرون لعربدة عبير موسي رئيسة الحزب الدستوري الحر و يعتبرونها زعامة و إنجازا… وما لا يعترفون به أنّه ما كان لها أن تصول و تجول في مجلس نواب الشعب و مكبّر الصّوت بيدها، تقول ما تشاء و تتلصّص على من تشاء و تسخر ممن تشاء لو كان للمجلس المنكوب رئيسا محترما قادرا على فرض النّظام و ردّ العِدى!
بقلم كريمة مكي *
و لكن على رأس البرلمان اليوم شخص اسمه راشد الغنّوشي كان فيما مضى اسما يثير الخوف في النّفوس، و كان يُحسب له حسابا من السلطة على مدى العقود الماضية، و كان أنصاره و أتباعه و مريديه يطلقون عليه من الصفات أجلّها و أقواها فهو الشيخ راشد و هو زعيم الحركة و هو المفكّر و هو القائد و هو المرشد … إلى أن أراد له اللّه النهاية التي تليق بكلّ من لم يكن صادقا مع نفسه و مع الله فجاءت هذه الفترة الحالكة من تاريخه التي تجرّع فيها المهانة أشكالا و ألوانا.
كان بإمكانه أن يبقى مرشدا دينيا لأتباعه يحظى بتوقيرهم و حتّى بʺتقديسʺ البسطاء منهم و لكنّ نرجسيّته الخبيثة كانت أقوى فاستعجل رئاسة البرلمان و عينه على رئاسة تونس و قلبه في قصر قرطاج!
جاءت رئاسة البرلمان لراشد الغنّوشي بفضل نُوّاب نبيل القروي
و جاءته رئاسة البرلمان على طبق من ذهب بفضل نُوّاب سي نبيل القروي المرشح التقدمي المدني الحداثي لرئاسة تونس الذي كان قد تعهّد قبل الانتخابات، للعائلة التونسية الحداثية، بأنّه لن… و لن… و لن يتحالف مع النهضة الإخوانية!
غير أنّ ما لم يكن في حسبان السيّد راشد الغنّوشي و هو يباشر مهامه في بداية عُهدته و نشوة الانتصار العظيم على محيّاه أنّ طبق الذّهب ذاك، كان يحمل له العلقم و السمّ الزعاف، إذ سرعان ما عمّ الهرج و المرج في المجلس الموقر و صار كرسيّه مباشرة في مرمى سهام… زعيمة الأزلام! و كثيرا ما اضطر حرّاسه لإخراجه من خلف الأبواب و كثيرا ما تعالت الأصوات، فوق رأسه، بالشتائم و السّباب و كم تدافعت الأيادي بين الإخوان و الأزلام و كم اشتدت المعركة بين ذُبَابِهِ و ذُبَابِهَا! و كم أُهِينَت، في الفايسبوك، حُرمة البرلمان!!
الغنّوشي يكتوي بالنار التي استوقدها في تونس
و بعد كلّ إهانة و مهما كانت مرارتها، كان الشيخ راشد يعود لكرسيّه و يتمسّك بتلابيبه أكثر فأكثر، رغم النصائح التي كانت و مازالت تأتيه من القريب و البعيد ليستقيل و يحفظ ماء وجهه و ووجه النّهضة، و لكنّه مازال يرفض ʺالرّحيل الآمنʺ من البرلمان كما من النّهضة، و مازال مستعدّا لسماع مزيد من الشتائم من عبير و من غيرها من النواب الذين تشجّعوا بسلوكها و صاروا يكيلون للرّجل الكبير الشتائم على المباشر!
مازال الشيخ راشد يتلقى جرعاته اليومية من المهانة مكتفيا بصمت الجبناء و بتنكيس رأسه إلى أن تمرّ العاصفة مُعوّلا على دهائه الفائق و الذي كان يُخرجه منتصرا في كلّ مرّة، و لأنّه ما كلّ مرّة تسلم الجرّة فانّه عمّا قليل سيرحل عن المجلس و عن المشهد السياسي مُكرها ذليل، و هذا قَدَرُ كلّ من يغدر بهذا البلد الجميل!
أراد الغنّوشي بتونس شرّا و آن له اليوم أن يكتوي بالنار التي استوقدها في تونس و هو يوهم النّاس بأنّه ماض في تطبيق شرع الله.
سيرحل الغنوّشي عمّا قريب، بعد أن كشفت الأيّام وجهه الحقيقي للنّاس و لأقرب مقرّبيه و لكنّ رحيله لن يكون أبدا على يد عبير موسي، لأنّها سترحل معه بعيدا عن أرض السياسة هنا لتنتهي معهما حقبة كئيبة من عمر تونس تداول عليها فيها التجمّع و الإخوان فأفسدوها.
سترحل عبير مع الغنّوشي لأنّها و إن كانت تدّعي أمامنا الحداثة في مقابل رجعية الإخوان، فإنّها و الغنّوشي وجهان لعُملة واحدة: هو يتكلّم باسم الله و هي تتكلّم باسم الوطن و كلاهما لا يروم إلاّ مصلحته هو، و اسمه هو، و مكانته هو ، أمّا أتباعهما القريبين فيعرفون حقيقتهما و لذلك ثار الصادقين و الموجوعين و المتألّمين في النّهضة على أنانية الغنّوشي و نرجسيته الخبيثة، و كذلك سيفعل أتباع عبير و خاصّة نساء حزبها لأنّهم أكثر من يعرف أنّها ʺزعيمة من ورقʺ.
تونس جميلة الجميلات لن يخدمها إلاّ الصّادقين فيها و الصّادقات.
* مدونة و كاتبة تونسية.
شارك رأيك