تتقدم رقمنة قطاع الصحة في تونس بخطوات بطيئة لعدة أسباب، منها التعقيدات البيروقراطية و تضارب بين توجهات الإدارة و مصالح مختلف الأطراف المعنية. وقد اعتبر الكثيرون الشروع في توزيع بطاقة لاباس سنة 2018 بادرة جيدة لرقمنة قطاع الصحة في حين كان عدد من المطلعين على علم بأن المشروع برمته غير جاهز ولا يرتقي للتطلعات.
بقلم أمين سڨير *
للتذكير، إقتصاد الريع مبني على تخصيص مجال اقتصادي لمؤسسة معينة أو عدد محدود من المؤسسات مع تحصينها من المنافسة و تمكينها من عائد قار مضمون بفضل تشريعات توضع على المقاس. المستفيد طبعا هو المؤسسة التي تتمتع بعلاقة “لصيقة” مع الإدارة والخاسر هو المستعمل الذي يجد نفسه في وضعية تبعية و حرمان من مزايا المنافسة.
الخطيئة الأصلية erreur originelle في مشروع بطاقة لاباس هو الحيد عن خيار البطاقة الالكترونية (carte à puce) وهو خيار تقني مفتوح للمنافسة و يضمن جميع الخاصيات المطلوبة (الأمان وسلاسة و سهولة الإستعمال وقابلية التطوير) و الاستعاضة عنها ببطاقة تحمل رسما ثنائي الأبعاد qr code و تقنية الإمضاء الإلكتروني تسوقها شركة خاصة.
جوهر الموضوع هو إذاً فرضية إحتكار شركة معينة لمفاتيح النظام المعلوماتي للصحة وتحصيلها لمعالم دورية لا يستهان بها من جميع المستعملين فقط لتمكينهم من الولوج إليه، بدون التزام بأية معايير لجودة الخدمات.
من الناحية المبدئية، يجب أن تتعهد الدولة بكل تكاليف تطوير و صيانة المنظومة المعلوماتية الصحية كمسألة سيادية ومصلحة عامة يستفيد منها المواطن التونسي بالدرجة الأولى، كما أن الإدارة ستوفر بفضلها تكاليف ضخمة.
ثانياً، التعويل على مسدي الخدمات الصحية (أطباء، صيادلة، ممرضون،أخصاء علاج طبيعي و تقويم بصر) لتمويل المنظومة هو تهرب للدولة من دورها وأتاوة إضافية تفرض عليهم.
من ناحية أخرى، من غير المعقول إجبار مسدي الخدمات الصحية على تقديم جميع بياناته و بيانات مرضاه إلى منظومة تحتكرها ولا تسمح بالولوج إليها من طرف البرمجيات التي يستخدمها عادة. هذه الحواجز تجبر المستعمل في النهاية على استخدام منظومة قد لا تستجيب لحاجاته أو تكلفه الكثير من الوقت الضائع لإعادة كتابة نفس البيانات على حاسوبه و على الشبكة، بل قد يصل الضرر إلى حد التوقف الإجباري عن العمل بسبب الفصل منها déconnection لسبب أو لآخر. هذه المنظومة الريعية تعني أيضاً عقبات قانونية وتقنية تعيق التطور والمنافسة في قطاع الصحة الرقمية e-health.
* طبيب في القطاع الخاص و ناشط نقابي.
شارك رأيك