في يوم احتفال الأمة الإسلامية بعيد الأضحى المبارك يتجدد اللقاء مع هذه المناسبة العظيمة، والعالم يمر بتموجات سياسية واقتصادية وصحية وطبيعية مؤلمة، أثّرت على الإنسان بشكل كبير وجعلت حياته مذبذبة بين اليأس والرجاء، وبين الحياة والموت، وبين الألم والأمل، في صورة بانورامية حديثة لم نشهد لها مثيلا في التاريخ، ويضع علامات استفهام كبيرة في توجّه العالم نحو المجهول، فلم يعد قادرا على المواجهة وتحمل التبعات الاقتصادية والكوارث المالية المتتالية والمتعاقبة أثرت على الحياة العامة بشكل قبيح ومؤلم للغاية، وجعلت الناس يأوّلونها تأويلات مختلفة بعضها يرمز إلى الخيال وبعضها الآخر يتصل بالشعوذة والتبحر في التنجيم الذي لا مبرر له وكذب المنجمون ولو صدقوا.
بقلم فوزي بن يونس بن حديد
عيدُ هذه السنة مختلف كليا عن أي عيد، كنا نفرح بقدومه، ونعيش روحانياته ونفحاته، وننتظر مجيئه بفارغ الصبر، تجتمع العائلات في هذا اليوم، ويتزين الرجال والنساء والأطفال بأبهى صورة وأحسن لباس وأفضل عطر، نستقبله بالتكبير والتهليل والتسبيح والفرح والسرور والتهاني والتبريكات، وكانت المساجد تصدح فيها حناجر الرجال بالقرآن والتلبية والتكبير وكان الصغار يتحلقون حول البيوت ينتظرون “عيديتهم”، وكان الناس يتزاورون ويهنؤون بعضهم بعضا، في مشهد أخاذ وبهيّ، ويذبحون الأضاحي تقربا لله عز وجل في جو من الروحانية والمرح.
مآسي وكوارث و أزمات بالجملة تعيشها الانسانية بذهول
لكن المشهد تغير فجأة هذه السنة وبدا الأمر مختلفا كليا، ما الذي حدث؟ وما الذي تغير؟ ولماذا هذا الحال الآن؟ في وقت كان الناس يعتقدون أنهم يعيشون في زمان غير زمانهم، بعد التحول الدراماتيكي المفاجئ، الذي حدث لهم طوال الفترة الماضية، ومما زاد الأمر سوءا هذه التغيرات المناخية التي حدثت في العالم حيث شهدت عدة دول عربية وأوروبية فيضانات غير مسبوقة كان لها الأثر الكبير على مقوماتها الاقتصادية والسياحية والدينية وأفرزت حالات من الذهول عند كثير من الناس.
هذه المآسي والكوارث التي يشهدها العالم وحرمت الملايين من الاحتفال بيوم العيد يرجعها البعض إلى البُعد عن الله تعالى وانتشار الكبائر والمعاصي والذنوب فأنزل الله عليهم العذاب مما كسبت أيديهم، لعلهم يتوبون ويؤوبون ويرجعون إلى طريق الحق والاستقامة، فهم يعتقدون أن المولى عز وجل ما كان ليعذّبهم إلا بعد أن أرسل إليهم تنبيهات ومؤشرات على أنهم سيُعاقبون على ذنوبهم التي يرتكبونها ولا يتوبون منها بل يتعمدون تجاهلها ويواصلون تعنّتهم فكان العقاب الأليم والحرمان من الاحتفال بيوم العيد.
فيروسات غريبة تتحوّر بشكل مخيف
لكن البعض الآخر لا يفسّرها دينيا ويرجعها إلى طمع الإنسان وجشعه وهجومه على الطبيعة والبيئة دون حساب يبحث عن مصلحته المادية متحديا كل الأعراف الطبيعية والبيئية والقوانين الدولية فكانت النتيجة أن تغيّر المناخ وأحدث فيروسات غريبة تتحوّر بشكل مخيف، وكل هذا سببه الإنسان الذي لا يرى إلا الربح المادي دون تفكير في العواقب الوخيمة جراء هذا التصرف المشين، ويبحر البعض في الخيال الروحي والعلمي فيفسرها بتفسيرات غريبة بعيدة عن الواقع الإنساني ويرهب الناس بتنبؤات مرعبة وكأنه يعلم غيب الأرض والسماوات.
هكذا هو العيد هذه السنة في كثير من البلدان العربية والإسلامية، إغلاق تام، ولا صلاة ولا تزاور ولا مصافحة، ولا استقبال، إنما بقاء في البيوت لتفادي الخطر الأعظم وهو فيروس كورونا، وقد أضيف إليه في بعض الدول الفيضانات والمياه الجارفة، حتى قيل إذا لم تمت بالفيروس ستموت بالفيضانات أو بالأمراض الخبيثة أو بحوادث الطرقات أو بغيرها من الأسباب التي تعدّدت والموت في النهاية واحد.
ورغم هذه الآلام يبقى الأمل قائما في النفوس أننا سنتجاوز المحنة بكل قوة، ويرجع الناس إلى حياتهم الطبيعية، ومهما كانت التفسيرات وتنوعت بين الدين والعلم والخيال، فإن الحقيقة التي يؤمن بها المسلمون اليوم أن الضرّ والنفع لا يكون إلا من الله تعالى فهو الذي يقدّر الأشياء ويسيّرها وييسّرها كيفما أراد وكيفما شاء، وهو الذي يقدر على دفع الضرّ متى أراد، ولا أحد من البشر قادر على فعل ذلك، لذلك فلا طريق إلا طريق الرجوع والتضرع إلى المولى عز وجل أن يرفع هذا البلاء ويدفع عنا الوباء لتعيش الأمة الإسلامية في خير ووفاق.
شارك رأيك