ليلة سقوط إمارة الظلام : إضاءات على الحدث التاريخي و قراءة متأنية للواقع التونسي بعد قرارات الرئيس قيس سعيد ليلة 25 جويلية 2021 بتجميد البرلمان و إقالة رئيس الحكومة و أهمية النظر إلى المستقبل بطوحات مشروعة و عيون حالمة.
بقلم ياسين فرحاتي *
ليس من طبعي التجني على أحد ككاتب يرنو إلى الموضوعية و السمعة الحسنة و إنما المقصود بإمارة الظلام تيار الإسلام السياسي الذي حاد عن المسار الصحيح و أعني به حركة النهضة مضافا إليها ائتلاف الكرامة الذي ساهم كثيرا في تهرئة سمعة النهضة بسبب ممارساته العنيفة جدا و الموجهة صوب المرأة التونسية على غرار تصريحات محمد العفاس و استفزازات سيف الدين مخلوف في أكثر من مناسبة تحت قبة مجلس نواب الشعب و كنت كتبت مقالين في الغرض.
خطر أخطبوط الأحزاب التي تختبيء تحت مظلة الدين
هذا إلى جانب روابط حماية الثورة لعماد دغيج و أنصار الشريعة لأبي عياض الذي اختفى في ظروف غامضة و ربما مات و غير مأسوف عليه طبعا و الإرهابيين المتحصنين في الجبال، وهي خلايا نائمة هذا علاوة على الجهاز السري لذات الحركة المثير للجدل و الريبة حسب البعض.
كل هؤلاء و أولئك الذي يكفرون الأستاذة الجامعية المحترمة و صاحبة العمود الصحفي بجريدة المغرب أمال قرامي و الدكتورة و الكاتبة ألفة يوسف و الأستاذ المفكر الراحل محمد الطالبي بسبب تأويلاته للقرآن الكريم و الأستاذ الجامعي حمادي الرديسي الذي وقع الاعتداء عليه رفقة الصحفي المعروف زياد كريشان رئيس تحرير جريدة المغرب سنة 2011.
إلى جانب هؤلاء و غيرهم ، يجب ان نصدع بكلمة الحق و لا نخاف لومة لائم. كما أنه على أئمةالجوامع و المساجد، و خطباء الجمعة أن يتحلوا بالنزاهة و الأمانة و يتحروا الصدق و يتركوا انتماءاتهم الحزبية جانبا و يدعو الانتهازية جانبا و من واجبهم أن يدعوا لأولي الأمر بالصلاح و الفلاح و التسديد و التوفيق لما فيه الخير للبلاد و العباد.ذ
إن من أخطر ما في أخطبوط الأحزاب التي تختبيء تحت مظلة الدين و يسمونها الإسلام السياسي هو ذراعه أو جناحها الديني (مجلس الشورى) رغم أن كلمة شورى مستوحاة من القرآن الكريم و ورد ذكرها في الآية الكريمة “و أمرهم شورى بينهم”. و لكنهم و للأسف كانت تجارتهم مفلسة و جلبت لتونس عديد و جل المآسي و الآلام و الجراح التي لم تندمل بعد و كادت تقتل أو تجهز أحلام كل تونسي أو تونسية، لولا استفاقته و هبته الشعبية التضامنية في الوقت المناسب بفضل قدرة قادر حينما استجاب الرئيس قيس سعيد لإرادة الشعب، و الشعب يريد التغيير و الإصلاح فذكاء الشعب من ذكاء حاكمه.
أما مشروع الدولة الإسلامية المدنية، فهي مجرد خدعة و أكذوبة لإلهاء الرأي العام و كسب مزيد من الوقت للمناورة و لإخفاء عن “جريمتين” وقعتا في فترة حكم حزب النهضة المتهم بإرتكابهما أو التستر عليها ة أعني اغتيال شكري بلعيد و محمد الراهمي دون أن ننسى جريمة قتل لطفي نقض عضو نداء تونس الذي اغتيل في تطاوين و أحداث الرش بسليانة و التي ذهبت بأبصار عديد المتظاهرين المطالبين بحقوقهم الإجتماعية و لإطفاء لوعة القلب لا بد من كشف الحقيقة كاملة لأهالي الضحايا.
و لا بد من الإشارة بكل موضوعية و أمانة، أن عديدين خاضوا ببطولة معارك بالفكر و القلم و بالحجة و بالبرهان ضد التيار الإسلامي من سياسيين على غرار حمة الهمامي و منجي الرحوي و سامية عبو و عبير موسي كأشدهم شراسة و التي تحملت الكثير و لها دور هام في ما حصل ليلة 25 جويلية. إلى جانب نشطاء المجتمع المدني الذين كشفوا فضيحة الهبة الصينية التي ذهبت إلى حساب صهر زعيم حزب النهضة راشد الغنوشي رفيق عبد السلام لما كان وزيرا للشؤون الخارجية بدل أن تستفيد منها الدولة التونسية. كما أن منظمة أنا يقظ لا تزال تبحث في مواضيع على علاقة بممتلكات رئيس حركة النهضة.
لقد حاول إئتلاف الكرامة، الذراع اليمنى للنهضة و النائب راشد الخياري الجناح الإعلامي إدخالها في أكثر من مناسبة في علاقات متوترة مع دول صديقة لها وزنها المؤثر دوليا مثل فرنسا، في وقت نحن في أمس الحاجة بسبب جائحة كورونا إلى دول غربية و عربية و قد أبدت جلها سخاء إنسانيا غير مسبوق معنا في محنتنا من أدوية و جرعات و أكسجين لمرضى كوفيد. مع وعود بعضهم بمساعدتنا ماليا، خصوصا و اننا منذ يومين تمكنا من سداد قرضا هاما و حسب بعض الخبراء الماليين من البنك المركزي في تدخل لهم منذ أيام بالإذاعة الوطنية ضمن برنامج سوق العملة مع الزميل عفيف الفريقي ان 120يوم توريد تعد ضمانة للاقتصاد الوطني هذا إلى جانب مبادرة رئيس الجمهورية بطلب تخفيض سعر الفائدة الشيء الذي يعد محفزات للإستثمار.
الشعب هو صاحب الشرعية و هو من أعطى الضوء الأخضر لرئيسه بحماية مصالح البلاد
و قد زادت ممارسات و سلوكيات حكومة هشام المشيشي و الذي وقع إقالة رئيسها منذ أيام، الوضع سوءا في تونس، منذ توليه مقاليد الوزارة بسبب تلاعبه بمشاعر التونسيين و أدخلنا إلى حلقة مفرغة و هو الشيء الذي ساهم في وصولنا إلى الليلة الحدث أي 25 جويلية 2021، حيث شاهدنا زعيم النهضة يحاول اقتحام أو غزو مجلس نواب الشعب في جنح الظلام، مظاهرات بسلطة لم تعد بيديه و بحصانة سلبت من المجلس بفعل تطبيق الفصل 80 من الدستور التونسي. فالشعب هو صاحب الشرعية و هو من أعطى في الحقيقة الضوء الأخضر لرئيسه بحماية مصالح البلاد في خطوة أكثر من جريئة أسالت حبر عديد الأقلام عربيا و دوليا.
الرئيس قيس سعيد هو منقذ تونس من براثن و مخالب ثعالب ماكرة سرعان ما تهاوت و لفضت أنفاسها الأخيرة، تحت ضربات الدستور و للقضاء الذي وقع توظيفه في غير مقصده الشرعي كحارس للعمران و و قع التلاعب به و تمييعه أن يأخذ مجراه ذلك ان بلادنا كانت في نظر تلك الطبقة الحاكمة كعكة وجب تقاسمها فيما بينهم في هذا الوطن العزيز الغالي و الجريح منذ سنة 2011 و قبل تاريخ 25 جويلية.
و اليوم يطل راشد الغنوشي بعد أن تعافى مصرحا و مطالبا بأن “نجعل من قرارات 25 جويلية فرصة للإصلاح و للبناء الديمقراطي عليها ” و في ذات السياق أكد رئيس مجلس الشورى على “ضرورة الإعتبار من أخطاء الماضي” لكن هيهات… فات الأوان ليس بمجرد كلمة واحدة تطوى صفحة ماضي أليم و مر و قاس.
قوت المواطن المسكين يذهب إلى جيوب هؤلاء القوم من أبناء جلدتنا الجشعين و يبتزون في مقابل ذلك رجال الأعمال في مختلف المجالات و يدبرون سيناريوهات خطيرة و مفتضحة لإخراجهم أبرياء تارة مقابل الصمت و الزج بعضهم الآخر طورا آخر في غياهب السجون دون أن تعرف العدالة مجراها الطبيعي.
هذا هو الشغل الوحيد الذي يفقهون فيه و يحاولون توظيف المساعدات اثناء الإنتخابات لصالحه من دفع رشاوي لشراء الأصوات لبعض المنحرفين و الانتهازيين و كراء الحافلات لنقل المواطنين و يدعون أنهم أنصارهم. لقد قال السياسي محمد عبو ذات يوم، أن النهضة في تراجع مستمر و ستحين ساعة الحقيقة، اي ساعة أفولها و قد عرفت عدة إنشاءات و ها هي ساعة رحيلها قد أزفت.
مثل خطاب الرئيس قيس سعيد منعرجا حاسمة و تغيرا عميقا كان له الأثر الطيب في نفوس غالبية التونسيين و كان مضمونه كما ذكرنا سابقا الفصل 80 من الدستور و يحاول البعض من عديمي الفهم التلاعب بتأويله وهو واضح و صريح، فقرارات الرئيس الوحيد للسلطة التنفيذية كانت دستورية و منسجمة و متوافقة مع الحالات الاستثنائية، فنحن في أزمة قبل 25 جويلية، ذكرى عيد الجمهورية المجيد و قد نزع خطاب تلك الليلة المشهورة و الخالدة هما و غما و كآبة من نفوس غالبية الشعب الذي ينتظر متى تدق ساعة الفرج و ها هي قد جاءت، حيث خرج ليلا إلى شوارع العاصمة و عاصمة الجنوب و جوهرة الساحل بإعداد غزيرة و في باقي المدن التونسية، التي عبرت عن نفس درجة الفرحة و الغبطة.
لقد مثلت تلك الليلة لحظة تاريخية فارقة و مشهد بهجة يعبر عن مجد وطن و تحرر أمة! و تونس هي زعيمة دول الربيع العربي. و قد كان الإعلام العمومي : الوطنية الأولى و الثانية و الإذاعة الوطنية و بقية الإذاعات الأخرى في مستوى الحدث من نقل مباشر و فوري لتصريحات الرئيس و زيارات و مداخلات تليفونية للمواطنين و تماشيا مع روح التغيير الجديد، تم تعيين السيدة عواطف الصغروني الدالي رئيسة مديرة عامة بالنيابة لمؤسسة التلفزيون الوطنية و قد سمعت ذات مرة، بعض المذيعين القدامى و الذين يمارسون مهنتهم إلى اليوم يتمنون لو يعاد ضم الإذاعة التونسية إلى التلفزة الوطنية حتى تصبح مؤسسة واحدة كما كانت من قبل.
ناور رئيس حركة النهضة و أتباعه و لكنهم لم ينجحوا و أصيبوا بخيبة أمل!
لقد ناور رئيس حركة النهضة و لكن لم ينجح و مني بخيبة أمل! لأنه لم يحسب الأمور جيدا و ثمة كثيرون يصفونه بالماكر، و قد إلتقى قيادات تجميعية عديدة سابقة و أتى بالأمين العام للتجمع في آخر عهد الرئيس الراحل زين العابدين بن علي، محمد الغرياني و لكن ذلك لم يشكل مخرجا لراشد الغنوشي من أزمة الحكم.أما بخصوص التهم و المزاعم التي لا يزال أنصار النهضة و بعض المتفيهقين في الدستور، كون الرئيس يريد أو ينوي التحول إلى دكتاتور، أرد عليهم أن رئيس حركة النهضة هو على رأسها منذ فترة حكم الرئيس الراحل الحبيب بورقيبة و إلى يومنا هذا أكثر من ثلاثة عقود وهو لم يتخل عن منصبه رغم محاولات عديدين لعل آخرهم مستشاره السابق لطفي زيتون الذي غادر الحزب.
و للتذكير فقط فإن محمد الغنوشي هو من سمح بعودة راشد الغنوشي إلى تونس عندما استضافه الحبيب الغريبي على شاشة الجزيرة القطرية سنة 2011، من تونس طبعا أجابه : “يمكنه العودة لكن تلاحقه قضايا و تتبعات عملية”.
* كاتب من تونس.
شارك رأيك