القوانين الرادعة للاحتكار والتي تصدر بمقتضاها عقوبات مثل حجز البضائع والخطايا وسجن المخالفين وغلق المحلات والشركات لم تحد من ظاهرة الاحتكار كما أن الحرب التي أطلقها رئيس الجمهورية السيد قيس سعيد لن تكون كافية لحماية المستهلك من بارونات الاحتكار ما لم يساهم المواطن بدوره في إرساء الرقابة على الأسعار والجودة وعدم التردد في الإبلاغ عن التجاوزات والإخلالات و ترسيخ ثقافة المقاطعة إن لزم الأمر .
بقلم وليد الكسراوي *
تغلغل الاحتكار في كافة ميادين الإنتاج كما أصبح المحتكرون يسيطرون على الأسواق مما أدى الى حدوث أضرار اقتصادية بالغة الخطورة وكارثية على المواطن فما هي تداعياته على الاقتصاد التونسي ؟
الاحتكار هو ظاهرة متفشية في المجتمعات تعمل على عرقلة وتقييد التبادل التجاري للسلع والخدمات في الأسواق و فيه إهدار لحرية التجارة والصناعة وهو بالأساس إما نتيجة لإرادة فردية أو جماعية بهدف الثراء السريع والتحكم في الأسواق وتكون إما عن طريق باعة ووسطاء يحاولون إخفاء السلع بغية الحصول على سعر أعلى أو عن طريق إتفاق شركات على تقاسم الأسواق بينها أو حتى الاندماج بشركة واحدة تتحكم في الأسعار وتحتكر المادة المنتجة لصالحها.
ظاهرة تفاقمت في تونس نتيجة ضعف الدولة
هذه الظاهرة التي تفاقمت في بلادنا نتيجة ضعف الدولة و غياب الإرادة الحقيقية للردع نتيجة ترابط العلاقات والمصالح بين المحتكرين من رجال الأعمال والبعض من السياسيين الذين سخروا الدولة لحماية مصالح بارونات الفساد – هؤلاء السياسيون الذين اؤتمنوا على هذا الوطن وباعوا ذممهم مقابل خدمة مصالحهم الضيقة والشخصية – أو بتواجد البعض من رجال الأعمال في مراكز القرار كالسلطة التشريعية ممثلة في البرلمان الذي بتنا نرى عددا من نوابه هم بالأساس رجال أعمال يمتهنون التجارة الموازية ومنهم حتى من عمل على سن قوانين وتشريعات على المقاس خدمة لمجالات أعماله ومنهم محتكرون أيضا دأبوا على هذه الممارسات في تكريس الإفلات من المحاسبة بفضل الحصانة التي مكنتهم من التعالي حتى على علوية القانون.
من أهم التداعيات الكارثية على الاقتصاد الوطني هو تعطيل النمو الاقتصادي لأن المنافسة في الاقتصاديات النامية هشة وضعيفة بسبب عدم توفر حركة اقتصادية كافية فنجد عوائق كبيرة أمام دخول السوق وبالتالي لا تتحقق أهداف المنافسة بخفض الأسعار وارتفاع الجودة، بالإضافة إلى الزيادة في التضخم وما له من آثار وخيمة على المقدرة الشرائية للمواطن التي تراجعت بصفة حادة خاصة في السنتين الأخيرتين، كذلك تراجع الاستثمار الخارجي بسبب الاضطرابات المتواصلة في السوق وعدم القدرة على التوقع والتخطيط والعمل بطرق علمية.
ارتفاع نسبة التضخم نتيجة ارتفاع اسعار المواد الأساسية
وتفيد الأرقام بالبنك المركزي أن ارتفاع الأسعار هو من الأسباب المباشرة التي ساهمت في زيادة نسبة التضخم والتي فاقت ال 10٪ خلال السنة الحالية كما سجلت نسبة التضخم في شهر جويلية الماضي ارتفاعًا هاما لتبلغ 5,9٪ نتيجة لتسارع نسق ارتفاع اسعار المواد الغذائية وفق احصاءات المعهد الوطني للاحصاء.
كمل عرفت أسعار المواد المصنعة ارتفاعًا بنسبة 7,3٪ في شهر جويلية المنقضي ويعود ذلك بالأساس إلى ارتفاع أسعار المواد الصيدلية بنسبة 10,1٪ وأسعار مواد البناء بنسبة 11,1٪ وأسعار الملابس والأحذية بنسبة 7,3٪ و مواد التنظيف بنسبة 6,3٪.
كيف يمكن التصدي لظاهرة الاحتكار؟
محاربة الاحتكار تمر عبر التصدي إلى انتشار مخازن التبريد التي يمكن كشفها من خلال التعاون بين فرق المراقبة مع الشركة التونسيه للكهرباء و الغاز ورصد فواتير الاستهلاك بالنسبة إلى المواد الفلاحية والغذائية. أما بخصوص المواد المصنعة ومواد البناء فإن الدولة مطالبة بمزيد الرقابة على كميات المواد الأولية بما فيها الموردة، مراقبة الإنتاج والكميات المخزنة ثم رصد مبيعاتها ثم المرور إلى شركات التوزيع ومراقبة تطابق شراءاتها مع مبيعاتها.
من الواضح ان القوانين الرادعة للاحتكار والتي تصدر بمقتضاها عقوبات مثل حجز البضائع والخطايا وسجن المخالفين وغلق المحلات والشركات لم تحد من ظاهرة الاحتكار كما أن الحرب التي أطلقها رئيس الجمهورية السيد قيس سعيد لن تكون كافية لحماية المستهلك من بارونات الاحتكار ما لم يساهم المواطن بدوره في إرساء الرقابة على الأسعار والجودة وعدم التردد في الإبلاغ عن التجاوزات والإخلالات و ترسيخ ثقافة المقاطعة إن لزم الأمر .
* أكاديمي و خبير في مجال إدارة الأعمال.
شارك رأيك