إن ما أقدم عليه رئيس الجمهورية قيس سعيد ليلة 25 جويلية 2021 مغامرة حقيقية بل هو عمل مروع ومخيف جدا، إلا أن هذا الخوف سرعان ما تلاشى طالما أن التونسيين، كما القوات المسلحة العسكرية منها والأمنية، مصطفين إلى حد هذه اللحظة وراء رئيسهم.
بقلم صلاح سالمي *
عرفت تونس كما باقي دول العالم جائحة كورونا وانعكاساتها الوخيمة. فهذا الوباء أثر بشكل كبير على حياة الأفراد وزاد من صعوبات الحياة اليومية للطبقة المتوسطة والفقيرة. وقد كشف ما وقع في القيروان في الأشهر الأخيرة عمق الأزمة الصحية. هذه المدينة التي تعتبر رابعة الثلاث وأول مدينة عربية اسلامية في شمال إفريقيا لها مكانة خاصة في قلوب التونسيين. لكن هؤلاء يعلمون علم اليقين أنها أول ولاية في الفقر وفي الانتحار ناهيك عن أنها آخر ولاية في منسوب التنمية. مع هذا اندهش التونسيون للمشاهد المروعة والفظيعة التي مست الجانب الصحي للمدينة. فقد لاحظوا انعدام البنية التحتية ونقص الإطار الطبي وشبه الطبي وغياب شبه كلي للمعدات الطبية الضرورية خاصة منها أدوات الأكسيجين.
شرارة الغضب أمام التهاون الحكومي في التعامل مع الأزمة
من هنا بدأت شرارة الغضب خاصة أمام الضعف الواضح إن لم نقل التهاون الحكومي في التعامل مع الأزمة. فتدخل المجتمع المدني بمختلف مكوناته لإنقاذ ما يمكن إنقاذه. الشيء الذي دفع ببعض أبناء المدينة إلى طلب التدخل الأممي عبر إقامة جسر جوي لنقل المساعدات للمدينة المنكوبة وعاش التونسيون أشهر صعبة على هذه الحال.
مع هذه الأزمة الصحية الخانقة التي مست جل الولايات بشكل متفاوت وأمام ضعف الأداء الحكومي والتخبط في القرارات ومع استفحال الأزمة الاقتصادية والاجتماعية، قرر الشباب الغاضب النزول إلى الشارع يوم 25 جويلية لاسترجاع ”تونسهم” التي بات من الكاشف أنها سرقت منهم. وما زاد الطين بلة هو مطالبة أحدهم بتعويضات مالية خيالية عما أسماه نضالا والحال ان البلد في أتعس فتراته.
كان هذا التحرك عفويا ساهمت في تأجيجه وسائل التواصل الاجتماعي. ورغم ارتفاع درجة الحرارة التي وصلت يومها إلى حوالي 50 درجة، ورغم إجراءات الحجر الصحي الصارمة، إلا أن الشباب التونسي أصر على الانتفاضة من جديد.
في نفس الليلة واستجابة لمطالب الشعب يتخذ رئيس الجمهورية قيس سعيد جملة من القرارات أهمها تجميد عمل المجلس النيابي ورفع الحصانة عن كل أعضاءه وإقالة الحكومة الحالية. هذه القرارات لاقت ترحيبا كبيرا من قبل الشعب الذي خرج مجددا للتعبير عن فرحته وعن اصطفافه وراء رئيسه.
تحول مجلس نواب الشعب إلى شيء أقرب إلى السيرك
هل أن ما قام به الرئيس عمل انقلابي؟
فرض هذا السؤال نفسه منذ ليلة 25 جويلية. فالفريق الحاكم صاحب الأغلبية النيابية رأى في هذه القرارات انقلابا صارخا على الشرعية. لكن التاريخ علمنا أن الانقلاب يكون دائما على ظهر دبابة وعبر قرقعة المدافع، كما تصحبه اعتقالات عشوائية واستفراد بالحكم. كل هذا لم يحصل في المثال التونسي. فكل ما فعله الرئيس هو إيقاف نزيف كان لابد له أن يتوقف. فقد بلغ السيل الزبى ووصلت القلوب الحناجر. فالمجلس النيابي لم يعد يحمل من مجلس نواب الشعب سوى الإسم متحولا إلى شيء أقرب إلى السيرك. أما الحكومة فنصف أعضاءها يعملون بالنيابة. أظف إلى ذلك ضعف أداءهم الواضح وعدم قدرتهم على استيعاب وفهم المتغيرات، فضلا على تفشي الفساد الذي انتشر في البلد كالنار في الهشيم. كما أن الأزمة الاقتصادية والاجتماعية وصلت إلى ذروتها وكان لابد من ساعة خلاص.
كل هذا يدفعنا إلى القول أن ما حصل ليس انقلابا فالشرعية ليست تفويضا يمكن من خلاله أن تفعل أي شيء. إن الديمقراطية بما تحمله من انتخاب وتداول سلمي على السلطة أمر جميل. لكن حين تنجب هذه الديمقراطية أناسا عاجزين عن حماية البلد بل ومتواطئين في تخريبه، يصبح التخلص منها أمرا ضروريا لا جدال فيه.
إن ما أقدم عليه رئيس الجمهورية مغامرة حقيقية بل هو عمل مروع ومخيف جدا، إلا أن هذا الخوف سرعان ما تلاشى طالما أن التونسيين، كما القوات المسلحة العسكرية منها والأمنية، مصطفين إلى حد هذه اللحظة وراء رئيسهم صارخين بأعلى أصواتهم: “رئيسنا ونفتخر”.
* أستاذ محاضر بالجامعة.
شارك رأيك