كيف تمكن الرئيس قيس سعيد من إخفاء أوراقه رغم ما يشاع من وجود اختراق نهضاوى لمؤسسة الرئاسة و كيف حصل الذي حصل و كيف لم يقدم الجهاز السري للحركة أية معلومة مهمة في هذا الاتجاه و لماذا لم تفلح بعض أجهزة المخابرات المتعاملة مع الحركة في فهم ما يحصل داخل عقل الرئيس وهو يستعد لإعلان الإجراءات الاستثنائية ليلة 25 جويلية 2021 و كيف حصلت حالة التراخى القاتلة في جهاز الاستخبارات التابع لحركة النهضة في مونبليزير ؟
بقلم أحمد الحباسى *
حين يتحدث المتابعون لمنظومة الإخوان المسلمين فهم يدركون أنها كغيرها من المنظومات التي نشأت في السرية لا بد أن يكون لها عيون و مخبرين و مدسوسين داخل كافة مؤسسات الدولة، لذلك أنشأ حسن البنا في بداية تكوين حركة الإخوان المسلمين سنة 1928 ما سمى حينها “بالجهاز السري” و أسند تنظيمه و تكوينه و تدريبه لعبد الرحمان السندي أحد الضباط المندسين في الجيش المصري.
القدرة على الاندساس داخل أجهزة الدولة و بالذات الأمن و الجيش
كان الإخوان و من البداية يدركون أن تنظيمهم الجهنمي و مشروعهم الخبيث لا يمكن أن يستمر بدون حماية جهاز مدرب و متخصص في تنفيذ كافة العمليات الإرهابية و في متابعة الخصوم و في القدرة على الاندساس داخل أجهزة الدولة و بالذات الأمن و الجيش. هذا ما ذكره القيادي الإخوانى المنشق ثروت الخرباوى في كتابه “سر المعبد” و ما تعرض إليه القيادي فى النهضة المرحوم المنصف بن سالم في كتابه “سنوات الجمر”.
من الثابت و المؤكد أن الجهاز السري لحركة النهضة و الذي يحتوى على كوادر متخصصة في جمع المعلومات من عدة مصادر مثل وسائل الإعلام المكتوبة و المرئية و تحليلها و هو يعتمد كذلك على مصادر سرية للمعلومات بفضل تعاونه مع أجهزة مخابرات خارجية و من بعض اللاعبين الأساسيين في المشهد السياسي الذين يقدمون للجهاز معلومات لا يمكن الحصول عليها بأية طريقة أخرى.
الثابت أيضا أن هذا الجهاز العنكبوتى المتطور له مجموعة كوادر فنية همّها الوحيد هو التعامل مع أجهزة الالكترونيات و التصوير و المتابعة اللصيقة و فرز و مطابقة المعلومات التي يتحصل عليها باستعمال أرقى تقنيات الاتصال و المتابعة بحيث أن يتمّ تحويل هذا الكم الهائل من المعلومات المختلفة التي يتم جمعها إلى نموذج يمكن لقيادة الجهاز و قيادة الحركة استخدامه عند الضرورة ضد المعارضة و ضد الدولة نفسها إن لزم الأمر.
فشل الجهاز السري لحركة النهضة رغم قيمة الأموال التي بذلت لتكوينه
في الحقيقة يقرّ المتابعون لسيرة الجهاز السري التابع لحركة النهضة و منذ مرحلة مبكرة من تاريخه الدموي بأن المراد من تكوين هذا الجهاز المصطبغ بطابع السرية المطلقة لا يتوقف طبعا عند التكوين و التدريب و الإعداد النفسي بل الانتقال بعناصره إلى مرحلة التنفيذ و التنفيذ بدون تردد أو ترمرم وهو ما يؤكد أن فترة التكوين قد تركزت أساسا على عنصر مهم و هو غسيل مخ العنصر المنفذ غسيلا كاملا مكتملا.
لكن ما يهمنا اليوم هو الإشارة إلى فشل هذا الجهاز رغم قيمة الأموال التي بذلت لتكوينه و بعثه للوجود و رغم أهمية الأهداف التي حددتها الحركة عند تكوينه و هي البحث عن المعلومة التي تجعلها تتحفز أو تغيّر من خططها الدموية فى الوقت المناسب، إن المتابع لمشهد وقوف شيخ الإخوان التونسي راشد الغنوشي ذليلا مبهوتا أمام مبنى البرلمان ليلة 25 جويلية 2021 يدرك أن الجهاز قد فشل هذه المرة أيضا في أداء المهمة و بات وجوده من الأصل عائقا على الحركة.
لعله من المفيد الرجوع إلى المشهد المصري للتساؤل كيف فشل الجهاز السري لحركة الإخوان المسلمين الحاكمة في فهم ما يحدث في الشارع في تلك الفترة و كيف لم يتوقع هذا الجهاز رغم تغلغله بقوة داخل أجهزة الجيش و أجهة أمن الدولة بأن الخطر على استمرار حكم الرئيس محمد مرسى يكمن في ذلك الضابط الوقور الهادئ الفريق عبد الفتاح السيسى؟ كيف لم يتم إعلام الرئيس بأية معلومة تؤكد وجود تحركات “مشبوهة” لقطع عسكرية في محيط القصر الرئاسي وهو ما أكده الرئيس عبد الفتاح السيسى لاحقا في مقابلة تلفزيونية ليثبت بالدليل القاطع فشل الجهاز السري.
بطبيعة الحال كانت هناك عناوين سابقة لفشل هذا الجهاز في عهد الرئيس الراحل جمال عبد الناصر و غيره من بقية الرؤساء المصريين لكن من المهم التأكيد على أن فشل هذا الجهاز السري قد حصل في تركيا أيضا فيما سمّى بالانقلاب على حكم الرئيس رجب أوردغان رغم قوة هذا الجهاز و ارتباطه العضوي و المصلحى بجهاز المخابرات التركية بقيادة هاكان فيدان الرجل القوى في الدولة التركية.
فشل كافة “الأجهزة السرية” لمنظومة الإخوان
نحن إذن أمام حالة فشل موصوفة لكافة “الأجهزة السرية” لمنظومة الإخوان و هذا الفشل قد طال جهاز “مخابرات” حركة النهضة أيضا و في مناسبات عديدة لعل أولها حين لم يستشعر هذا الجهاز رغم تغلغله الكبير في مفاصل الدولة التونسية في فترة بلوغ الرئيس الراحل الحبيب بورقيبة سنّا متقدمة أدت حالته تلك إلى صراع القصر و ترهل مفاصل الأجهزة و ضبابية في الرؤيا السياسية و الأمنية قلت لم يستشعر نيّة الوزير الأول آنذاك الجنرال زين العابدين بن على و اعتزامه الإطاحة بالرئيس بورقيبة في خطوة استباقية مفاجأة ضربت مصداقية جهاز النهضة السري في مقتل و جعلت مصير قيادات الحركة على كفّ عفريت لو قام الجنرال بن على بتنفيذ أحكام الإعدام و اعتقال ما تبقى من عناصر الحركة.
من الواضح أيضا أن الجهاز السري الإسلامي مخترق بالكامل و أن هناك عملية تسريب معلومات خاطئة يتم استقاؤها من عناصر مدسوسة على الجهاز جعلته مجرد منظومة مخترقة ليس بإمكانها النجاح في حرب المعلومات.
لعل السؤال الأكبر الذي يدور في ذهن شيخ الإخوان و بقية قيادات و منتسبى حركة النهضة هو كيف حصل ما سمّوه ب “الانقلاب” و كيف تمكن الرئيس قيس سعيد من إخفاء أوراقه رغم ما يشاع من وجود اختراق نهضاوى لمؤسسة الرئاسة و كيف حصل الذي حصل و كيف لم يقدم الجهاز السري للحركة أية معلومة مهمة في هذا الاتجاه و لماذا لم تفلح بعض أجهزة المخابرات المتعاملة مع الحركة في فهم ما يحصل داخل عقل الرئيس و هل أن أجهزة الإعلام التونسية بتهكمها على نوعية الخطاب الرئاسي و مفرداته قد ساهمت فى حالة تراخى قاتلة لدى كثير من أجهزة الاستخبارات بما فيها جهاز الاستخبارات التابع لحركة الإخوان في مونبليزير ؟
إن المتأمل جيدا في صورة مرشد الإخوان و هو مبهوت و تائه أمام بوابة المجلس يدرك حجم الانكسار الذي أصابه و الذي لم يستوعبه لحد الآن بدليل محاولات الهروب إلى الأمام التي يتبعها في تشابه تام مع رقصة الديك المذبوح .
* كاتب و ناشط سياسي.
شارك رأيك