ظل التونسيون لمدة عام و نصف لا يفهمون الرئيس قيس سعيد – الرجل المستقل عن كل الأحزاب و الذي انتخبوه لأنهم يثقون في صدقه و إخلاصه و “طهارته” مقارنة مع “دنس” السياسة و السياسيين الذين كرهوهم و تقيأوهم… لكن يبدو أن الرجل بدأ يكشف عن وجه مختلف و عن نزوع فطري لتجميع السلط بين يديه دون سبب أو غاية واضحين.
بقلم توفيق زعفوري *
كأغلب التونسيين انتخبناك للأسباب التي نعرفها و تعرفها، أخطأنا أم أصبنا لم يعد للأمر معنى و لا يفيد الآن في شيء… أنت الآن رئيس و نحن كنا و لازلنا “شعب المواطنين” و العبارة للرئيس الأسبق المنصف المرزوقي دون تحميلها معاني كثيرة و دون وضع كاتبها في خانة سياسية معينة و إن ظهر لكم الأمر كذلك.
كم مرة تطلع علينا ليلا متوترا مزمجرا متوعدا واعدا أن نصرنا قريب و أن الحكومة سترى النور في أقرب الأوقات… عبارة زمنية مطلقة الضبابية ضبابية الوضع الذي نعيشه…
لا حكم غير حكم الواحد الآمر الناهي
الآن مر على زيارة الوفود الأمريكية و الأوروبية و العربية أكثر من أسبوعين و بحساب المدة القانونية التي تتفلسف في تحديدها فنحن الآن على شهر و نصف و لا شيء يلوح في الأفق لا حكومة و لا حكم غير حكم الواحد الآمر الناهي…
الأن فهمنا أنه ليس لديك خطة بديلة و ليس لديك برنامج سياسي و لا حتى جدول زمني للانتهاء من حالة الإستثناء، الخطة هي إقالة الوالي دون تعويضه و كأنه زائد على النصاب و إقالة وزير دون تعويضه و كأنه بلا وزير تكون الأمور أفضل و منع السفر عن الناس لأنهم جميعهم مشبوهون و مداهمة المخازن و الأوكار لأنها كلها لمضاربين كلهم سماسرة و كلهم فاسدون و كلهم لصوص أو ذوو شبهة حتى أنه تعذر عليكم إصدار أمر قانوني لتحجير السفر أو الوضع في الإقامة الجبرية لأنكم تعلمون أنه بلا سند قانوني وما بني على باطل فهو باطل…
الآن فهمنا أنك تريد أن يستمر الوضع هكذا “لا معلق و لا مطلق” لأنك أنت تكون فيه الحاكم و الآمر و الناهي “فاحكم فأنت الواحد القهار”! فلا معنى للتمطيط و التمديد أكثر، فلم تعد الدولة تحتمل الفراغ…
الآن فهمنا أنك تحاول أن تستنبط نظاما سياسيا لا نعرف عنه شيئا حاول مستشاركم أن يطلق قبله بالونات الاختبار و حاولت بعدها التدارك ليلا و أفضت في إبراز محاسن دستور جوان 59 و كأنه دستور خارق للعادة و العودة إليه و إلى الوراء أضمن و اسلم و أصلح و الحال أنه تجاوزه الزمن و لا يصلح لوقتنا هذا كما بينت أمام خبراء في القانون اخترتهم بعناية فائقة و ربما يلهمك لأنه يبيح الرئاسة مدى الحياة…
الآن فهمنا أننا كلنا فاسدون و مشبوهون
الآن فهمنا من خلال التلويح بأن نظاما مؤقتا للسلط العمومية جاهز أنه لا عودة للبرلمان و أن تعليق الدستور وارد و قد رأيت بعد بالونات الاختبار و بعد التسريبات موقف الأحزاب و المنظمات الوطنية و المجتمع المدني… و تخشى أن تضطر إلى ذلك و أن يصير بعد ضغوط و نحن نريد أن يصار الأمر قانونيا و ديمقراطيا لأن دونه الهدم…
الآن فهمنا أننا كلنا فاسدون، و مشبوهون و لا نصلُح و لا نصلِح و أنه من أجل الشعب الذي يريد، لا بد من قبضة من حديد، و فهمنا أنك لست محاورا و لا مناورا، و لا تستسيغ الحوار أصلا…
الآن فهمنا بعد طول نكران أن من تحزّب خان و لا فائدة من التنظّم و من الأحزاب و من خيار الديمقراطية أصلا!
الخوف كل الخوف على بلد متهالك سياسيا و اقتصاديا حيث لا أحد يتوقع متى يصير انفجار أو تحول عميق… و ربي يستر تونس…
* محلل سياسي.
شارك رأيك