هناك عمل حقيقي في قادم الأيام لإنقاذ تونس من أزمتها الخانقة الحالية، وليس من السهل صنع المعجزات إذ يتطلب ذلك صبرًا وعزيمة وإرادة وتخطيطًا محكما وعملا دؤوبًا، وقد أشار إلى ذلك سيادته عندما تحدث عن ضرورة إجراء حوار شامل بكامل تراب الجمهورية وإشراك الشباب في صنع المستقبل ورسم الحياة الجديدة، وعندما تتحقق كل هذه الرؤى واقعا سيهدأ الشارع رويدا رويدا، وستأفل كل الصراعات لحظة بلحظة، لأن الشعب إذا رأى تغييرا على الأرض سيستكين ويطمئن أن هناك قوى تعمل بجد وإخلاص.
بقلم فوزي بن يونس بن حديد
في ظل الاحتجاجات الشعبية التي ملأت شارع الحبيب بورقيبة بين موافق لإصلاحات الرئيس السيد قيس سعيّد ومعارض لها في الأيام الماضية وخاصة بعد التدابير الاستثنائية التي اتخذها رئيس الجمهورية يوم الخامس والعشرين من شهر جويلية الماضي، نجحت مؤسسة الرئاسة إلى حدّ كبير في المضي قُدما نحو تشكيل الحكومة الجديدة في أيام معدودة وهو مطلب شعبي ورسمي حتى تسير القافلة ولا تتوقف وتعبر السفينة برّ الأمان ويهدأ الشارع قليلا، ويبقى على الحكومة أن تفعّل سريعا عملها وتُثبت للشعب التونسي أنها حكومة ميدانية تعمل من أجل الشعب لا من أجل نفسها أو مصالحها أو مصلحة الرئيس، فالوقت يجري سريعا ولا يترك مهلة واحدة للتكاسل أو التردد، بل على جميع الوزراء أن يباشروا أعمالهم فور تسلّمهم مهامهم وعلى كل وزير أن يعرف ماذا يفعل فلا مجال لارتكاب أخطاء جسيمة ولا مجال للهروب من المساءلة لأن الشعب سيراقبهم جميعا خطوة بخطوة ولحظة بلحظة فإن أحسنوا قال لهم أحسنتم وإن أساؤوا قال لهم أسأتم.
تونس في بوتقة من الحزن الاجتماعي والانهيار الاقتصادي
خطوة أولى كان ينادي بها السياسيون والأحزاب من أجل مواصلة الحياة السياسية وإنقاذ تونس من براثن التحول إلى دولة مهمشة كتلك التي أحدث فيها التغول الديمقراطي شرخا كبيرا وتعثرت مفاصلها السياسية في مطبات عدة مما جعلها في بوتقة من الحزن الاجتماعي والانهيار الاقتصادي، ونحن في تونس إذا أردنا السير بالدولة نحو الرقي علينا جميعا أن نكون في مستوى الحدث الذي يليق بها وندَعُ الحكومة تعمل في مجالها ولا نقف حجر عثرة في وجهها حتى نسقطها كما فعل الأوّلون وتبقى تونس ولّادة الحكومات الفارغة من المضمون، فهذه الحكومة إما أن تنجح فتُحقق للشعب التونسي ما يتمناه وتدخل التاريخ السياسي على أنها أول حكومة تستطيع أن تجعل تونس تقف على رجليها، وإن أن تفشل لتُبقي الباب مفتوحا على مصراعيه أمام المطامع الأجنبية والتجاذبات الداخلية التي لا تنتهي.
كان لا بد من اتخاذ موقف حاسم وحازم لوقف المسلسلات الكرتونية التي كانت تحدث في أروقة البرلمان التونسي، والشعب كله يتفرج عليها بسخرية وحزن على ما آل إليه مجلس النواب رغم أن مجاله كان ينبغي أن يمثّل قدوة ومثالا للنقاش الحضاري والاحترام المتبادل رغم اختلاف الرؤى والايديولوجيات بين أعضائه، لكن نوابه أبوا إلا أن يكمن الحل في حلّه وإنهاء مهامه جملة وتفصيلا ليبقى البحث عن برلمان جديد قائم في ظل دولة قوية ذات سيادة لا مجال فيه للعب على الأوتار الأخرى.
وقف المسلسلات الكرتونية في أروقة البرلمان التونسي
وبعد هذه الخطوة المهمة تأتي خطوة أخرى لا تقل أهمية عن الأولى وهي البحث في تأسيس برلمان قوي يخلف البرلمان القديم من خلال الدعوة لانتخابات تشريعية جديدة تراقبها جهات عدة عالمية وعربية حتى لا يتم تزويرها، وتوضع لها خطوط حمراء لا يتجاوزها أي حزب أو أي جهة، وشروط واضحة للترشح والترشيح، ويُنظم العمل البرلماني في إطار من القانون الداخلي الذي يلزم جميع البرلمانيين بنظام أخلاقي لا يتعداه أحد مهما كان مستواه.
لا يمكن لأي دولة ديمقراطية في العالم أن تعيش دون برلمان، لذلك ركز رئيس الجمهورية في خطابه أمام الحكومة الجديدة على ضرورة أن يكون للدولة التونسية برلمان قوي يستطيع الشعب من خلاله أن يرشح من يراه مناسبا يدافع عن حقوقه المشروعة باحترام وتعقّل دون سبّ أو شتم أو صراخ أو ضرب أو انتهاك لأي حرية، ومن ثم نرتقي إلى مستوى البرلمانات الحضارية التي تتقدم بالدولة نحو أفق متميز ومن خلاله يستطيع مجلس النواب أن يحاسب الحكومة أو الرئيس، ويستطيع أن يشرّع القوانين ويستطيع تعديل الدستور وفق ما يراه الجميع صالحا لتونس العزيزة.
إشراك الشباب في صنع المستقبل
هناك عمل حقيقي في قادم الأيام، وليس من السهل صنع المعجزات إذ يتطلب ذلك صبرًا وعزيمة وإرادة وتخطيطًا محكما وعملا دؤوبًا، وقد أشار إلى ذلك سيادته عندما تحدث عن ضرورة إجراء حوار شامل بكامل تراب الجمهورية وإشراك الشباب في صنع المستقبل ورسم الحياة الجديدة، وعندما تتحقق كل هذه الرؤى واقعا سيهدأ الشارع رويدا رويدا، وستأفل كل الصراعات لحظة بلحظة، لأن الشعب إذا رأى تغييرا على الأرض سيستكين ويطمئن أن هناك قوى تعمل بجد وإخلاص.
شارك رأيك