قضايا الفساد و التجاوزات المالية تتراكم على مكاتب قضاة القطب الاقتصادي و المالي و لكن السؤال المطروح هل أن القطب متمكن من القضايا المتعهد بها؟ أليس في حاجة إلى دعم؟ و هل حرية المشتبه بهم هينة لهذه الدرجة؟
بقلم عبد الرزاق بن خليفة *
القطب القضائي المالي مختص في جرائم فرع من القانون ينتسب إلى فرعين مختلفين: القانون الجزائي والقانون الإداري لتعلقه أساسا بجرائم تصرف في المال العام… لذلك يطلق عليه البعض إسم القانون الجزائي الإداري… والقاضي المتعهد بهكذا جرائم مطالب بتطبيق قواعد عامة من قواعد القانون الجزائي العام ولكن هو مدعو أساسا لتطبيق قواعد بعض فروع القانون الإداري وخاصة قانون الصفقات العمومية وقانون اللزمات والقانون الجبائي وقانون الملك العمومي بفروعه الكثيرة وقانون الجماعات المحلية وقانون الوظيفة العمومية وقانون المحاسبة العمومية و قوانين الرخص الإدارية وقانون البناء إلخ… إلا أن المصيبة أن القضاة العدليين لا يدرسون هذه المواد مطلقا وأن درسوا بعضها في الجامعة أو في المعهد الأعلى للقضاء فبشكل مقتضب… ولم يشتغلوا عليها في المحاكم العادية مطلقا خلال مسيرتهم المهنية.
لذلك نتساءل كيف لقاض يأذن بإيقاف الناس بخصوص جرائم مؤسسة على قانون من غير اختصاصه ؟وأذكر أني رافعت في قضية صفقة عمومية أمام أحد قضاة التحقيق وبعد خروج المنوب سألني بكل لطف حول الفرق بين الاستشارة وطلب العروض وأسر لي بأن هذه الأمور لم يسبق له أن اشتغل عليها… وهو موقف نبيل منه… وتواضع محمود…
لا أشكك في مستوى أي قاض لكن هذا النوع من الجرائم الحساسة جدا والتي تحطم بسببها موظفون أبرياء و عائلاتهم تقتضي مقاربة جديدة بخصوص تركيبة هيئات القطب المالي…
سنة 2012 اشتغلنا بشكل عفوي مع مجموعة ال 25 بإشراف المرحوم الأستاذ عمر الصفرواي واقترحنا قطبا قضائيا ماليا متعدد الاختصاصات (multidisciplinaire) يضم قضاة عدليين متمكنين من القانون الجزائي وقضاة من محكمة المحاسبات متمكنين من القانون المالي وقضاة من المحكمة الإدارية مع مشاركة متخصصين من هياكل الرقابة المالية وأملاك الدولة وعدد من الخبراء المحاسبين باعتبارهم متخصصين في حسابية القطاع الخاص أكثر من غيرهم..
على سبيل القياس في بعض البلدان العربية المدعون العامون في الجرائم الإدارية يقع اختيارهم من الإدارة ولهم وضع مستقل (الأردن مثالا)…
تم تقديم المشروع للحكومة ولم يناقش إلى اليوم و رحل الزميل عمر الصفرواي رحمه الله وقبر معه المشروع. ولو تابعنا النقاشات القانونية بين المحاكم لحد الآن للاحظنا انها تحوم أغلبها حول الإجراءات والشكليات (شرعية بطاقة إيداع الخ.) ولم نسمع قط عن نقاش يهم مسائل أصلية تهم الصفقات العمومية أو التصرف في الملك العام ومدى توفر القصد الجنائي في مشاركة عضو في جلسة لجنة صفقات أسندت صفقة دون وجه حق أو حول إسناد رخصة بناء على عقار غير مهيأ الخ.
هل القطب القضائي المالي يفرق بين التهرب الجبائي (fraude) والتجنب الجبائي (évasion) بينما الأول جريمة والثاني لا يشكل جريمة؟ لست متاكدا من أن جميع قضاة القطب على دراية بهذه المسألة المعقدة؟ ليس عيبا فيهم ولا تنقيصا من كفاءتهم لكن لأن هذه المسائل ليست من اختصاصهم بالنظر إلى مساراتهم الجامعية والمهنية…
أخشى أن الإيقافات التي شملت رجل الأعمال و السياسي مهدي بن غربية وغيره كثير غير مبنية على معرفة دقيقة بهذه القوانين…
* ناشط سياسي.
شارك رأيك