دون الدخول في التفاصيل الطبية ودون التطرّق للتحوّلات الفيروسية، فإنّ هناك شبه إجماع على أنّ التلقيح ضدّ الكورونا يحدّ من خطورة الإصابة وأنّ مضاعفاته و آثاره المعلومة منها والمجهولة لن تكون أشدّ وقعا من المرض وعلى ذلك فإنّ حملات الإقناع والتحفيز على التلقيح ينبغي أن تكون مستمرّة، متنوّعة الوسائط، متعدّدة الوسائل، مُتلازمة مع تيسير الخدمات وتوفير المستلزمات المادية والموارد البشرية، مُتوازية مع التحسّب والاستعداد لقدوم موجة أخرى من الإصابات.
* بقلم الدكتور ماهر الزعڨ
كلّ هذا لا يخلو من الوجاهة والمعقولية، أمّا أن يصدُر أمر يُجبر الناس على التلقيح أو كما قال خفيف الظلّ وزير الصحّة، أنّه لا وجود لإلزام أيّ كان بل لكلّ امرئ الحقّ في الاختيار بين التلقيح أو فقدان العمل ومورد الرزق، بين التلقيح أو التجويع وملازمة البيت دون ماء ولا كهرباء، هذا إذ لم يطرده صاحب المنزل إن كان قاطنا على وجه الكراء، لكلّ امرئ الحقّ في الاختيار بين الامتثال للقرار أو الضياع في المتاهة والتيه في الشوارع.
أمر مرفوض وفوق كلّ احتمال
1/ التلقيح لا يحمي من الإصابة بالوباء وكلّ مُصاب هو بالضرورة مصدر عدوى وكلّ حامل لجواز التلقيح يمكن أن يكون ناقلا للفيروس،
هكذا أمر يا سادتي مرفوض وفوق كلّ احتمال وأسباب ذلك واضحة لا تقبل النقض ولا حتى الجدال ومنها أنّ :
2/ فرض جواز التلقيح بهذا الشكل فيه حدّ من الحرية الفردية في أكثر الأمور خصوصية و كما لا يخفى على أحد أنّ أضمن طريق لرفض أي إجراء أو قرار هو الضغط والإلزام،
3/ جواز التلقيح يمكن أن يتضمّن معطيات شخصية وإن كانت متاحة بالضرورة للدولة فإنّها ليست في مأمن من عصابات القرصنة الرقمية للاستحواذ عليها والمتاجرة بها مع المؤسسات الاقتصادية والبنوك التجارية ومجاميع التأمين وشركات الدعاية والتسويق،
4/ جواز التلقيح يمكن أن يكون ذريعة للمراقبة والملاحقة والمعاقبة والقبض بتلابيب الحياة،كما يمكن أن يتحوّل إلى أداة للوصم والنبذ والانتقاء والإقصاء،
5/ جواز التلقيح يمكن أن يكون سابقة لفرض جوازات أخرى تتعلّق بأمراض معدية أو بالصحة النفسية و السلامة العقلية بدعوى تهديد الفرد لتوازن واستقرار المجتمع،كما يمكن أن يكون خطوة أخرى لتحويل الناس إلى قطيع مُطبّع مع الخنوع، مستسلم لثقافة الاستعباد، متنازل عن حريته بامتنان وصِغار،
6/ حيثيات الكورونا فيها الشيء الكثير من الغريب والعجيب والمُغيظ والمُريب، ممّا منح بعض المصداقية لأصحاب نظرية المؤامرة، خصوصا وأنّ وقائع التاريخ وأحداث الحاضر تثبت دون أدنى شكّ أنّ أصحاب القرار لا يكنّون للبشر سوى الاحتقار و أنّ جشعهم هو السبب في موت عشرات الملايين من البشر جرّاء الحروب وانتهاك البيئة و التجويع والتفقير والتجهيل والقهر والاستغلال،
7/ منظمة الصحّة العالمية لا توصي ولا تحبّذ فرض جواز التلقيح، إلا أنّ رئيسنا الحاكم بأمره ،الشعبوي المكين والذي مثل سائر الشعبويين في العالم، كان قد استراب في حقيقة وباء الكورونا و في احتمال وجود مؤامرة مدبّرة وراء كلّ هذه الشوشرة ، رئيسنا المُغرم بإصدار الأوامر نشر بالرائد الرسمي قرار يُعاقب كلّ مواطن لا يحمل جواز التلقيح، ممتثلا في ذلك لتوصيات دول المركز والحال أنّ أكثر من نصف التونسيين لا يمكن لهم أن يستوفوا التلاقيح في غضون أسابيع قليلة، بالإضافة إلى أنّ استحالة تطبيق هكذا قرار تفتح الأبواب للاجتهادات الفردية وتتيح المجال لأرباب الأعمال للتخلّص من الأجراء غير المرغوب فيهم و كذلك تمنح فرصة الارتشاء والإفساد والمحاباة للقائمين على مراقبة تنفيذ القرار.
قرار مرّ مرور الكرام
خلاصة القول أنّ الجدل حول جواز التلقيح ضدّ فيروس الكوفيد قائم في مختلف بلدان العالم و وصل الأمر إلى حدّ التظاهر والتصادم، إلاّ في تونس فإنّ هذا القرار مرّ مرور الكرام، ربّما لأنّ التونسيين اعتبروه من قبيل النيران الصديقة، غير قابل للتنفيذ أو زوبعة في فنجان، أو ربّما لأنّ المشاغل و المشاكل والأوهام وتعطّل الأذهان حجبت عنهم رؤية الحقائق ورصد الأخطار ومهما كان من أمر فأنّه لا بديل عن التوعية والإقناع والتحسيس ونفض الغبار عن حقيقة الوباء وإزالة الشوائب عن طبيعة التلقيح وتمتين الثقة في النخب العلمية،أمّا جواز التلقيح فلن يمرّ ولا يجوز .
.* طبيب نساء وتوليد.
شارك رأيك