الاقتصاد الرقمي لم يتطور في تونس بالنسق المطلوب و ذلك على كل المستوات: القانوني منها و التنظيمي و المؤسساتي و الاجتماعي و الاقتصادي. و الأسباب عديدة و في غالبيتها سياسية إذ تعود إلى الكوابح العديدة التي وضعتها الدولة لغياب إرادة حقيقية و إيمان بأهمية هذا القطاع و قدراته على تطوير الحوكمة عموما و الحوكمة الاقتصادية على وجه الخصوص.
بقلم منجي مرزوق *
الاقتصاد الرقمي له أربعة أركان أساسية يُبنى عليها في إطاره القانوني والتنظيمي والمؤسساتي، وفي منواله الاجتماعي والاقتصادي:
– البيانات الرقمية (الضخمة) (مراكز خزن المعلومات، تقنيات معالجة واستغلال البيانات، اقتصاد البيانات)،
– المنصات الرقمية الضخمة الخدماتية والتجارية والقطاعية (الخدمات المالية، الصحة، التعليم، النقل، الطاقة…) والتطبيقات الرقمية
– دور التشبيك وشبكات الاتصالات (التنقل السريع والموثوق للمعلومات، توسيع فضاء الاتصال من الأماكن إلى الفرد إلى الأشياء، التواصل من أي مكان وعند التنقل…)،
– عالمية النشاطات الاقتصادية والاجتماعية (عالمية الشبكة واللاتموقع الجغرافي).
يمكن القول ان اقتصاد البيانات والمنصات الرقمية الضخمة انطلق عالميا منذ منتصف التسعينات مع تحول كبير في بداية الألفية (…Alphabet, 1998, Google, Alibaba,1999, Facebook, 2004).
بالنسبة لتونس تضييق الحكم على الحريات السياسية والاقتصادية وتدخل المقربين منه لم يسمح بتطور المنصات الرقمية ولا مراكز البيانات الرقمية، فأغلبها وأهمها انطلقت بعد الثورة في القطاع العام والخاص.
أما في شبكات الإتصالات وخدمات الأنترنت كان التعطيل السياسي وتدخل المقربين منه سافرا وسبب تأخرا في الجيل الثاني (تونس 1998، دوليا حوالي 1992)، والتضييق على اتصالات تونس في تسويقه لعدة سنوات، وازداد سوءا في الجيل الثالث (تسويقه في 2010 ، دوليا كان حوالي 2002) مع منح الرخصة لمشغل واحد جديد وهو أورانج وحرمان اتصالات تونس.
بعد الثورة عملت الدولة على تدارك التأخر في شبكات الجوال وفي تسويق وتطوير الجيل الثالث بتوسيعه لكل مزودي خدمات الإتصالات في الجيل الثالث (2011 و 2012) والتعجيل بالجيل الرابع في 2015 (دوليا حوالي 2011) وأيضا توحيد الرخص في خدمات الإتصالات والأنترنت، والتخفيض في سعر الربط البيني بين المشغلين وبالتالي التخفيض في سعر المكالمات ومحاربة الاحتكار عبر الامتيازات داخل الشبكة الواحدة.
رغم أن الدولة التونسية كانت في قلب الحدث الرقمي بتنظيمها للقمة العالمية لمجتمع المعلومات في 2006، لكن فساد الحكم وتدخل المقربين منه، وانعدام الحريات الاقتصادية والاجتماعية، فوت على تونس الاستفادة من ذلك في صورتها العالمية في الرقمنة، وفي مجال الخدمات الرقمية ورقمنة القطاع العام والخاص وفي أن تكون من الدول المتقدمة في الخدمات الرقمية واقتصاد البيانات.
كما لم يسمح بعد الثورة عدم الاستقرار السياسي والتحركات الاجتماعية والأزمات المتتالية من التدارك المطلوب.
أقول هذا رغم أن كل وزراء الإتصالات ساهموا وشاركوا في وضع سياسة ومشاريع القطاع الرقمي في طبرقة 2013 وفي قربة 2014.
* وزير سابق لتكنولوجيات الإتصال (2011 – 2014).
شارك رأيك