مشروع تنقيح الدستور أو تعديله أو تغييره، مشروع له قانونيته ودستوريته وهي حركة تصحيحية ضرورية للخروج بتونس من مشاكلها لكن ينبغي في الوقت نفسه أن يكون ذلك وفق رؤية مشتركة غير أحادية حتى تتعدد الرؤى والأفكار وتبني الرؤية الأصلح والأوضح والأنجع والأنجح.
بقلم فوزي بن يونس بن حديد
تسابق حركة النهضة الزمن لكسب نقاط إضافية في مواجهة الرئيس قيس سعيّد، وهي اليوم وبعد النكسة الكبيرة التي لحقت بها بعد 25 جويلية 2021 ما تزال تبحث عن مخارج ومنافذ للولوج منها إلى الساحة السياسية وتصدّر المشهد السياسي، فاستغلت تردّد رئيس الجمهورية وعدم إقدامه على تقديم خارطة طريق واضحة لما يمكن أن يقوم به في الفترة القادمة لا سيما وأن الأيام والشهور تمضي سريعا، مع تحرك المنظمات وبعض الأحزاب التي كانت في الأساس تساند مؤسسة الرئاسة في بداية مشوار التغيير، للمطالبة بتأسيس خطة واضحة المعالم للفترة المقبلة بمشاركة جميع الأحزاب السياسية بما فيها حركة النهضة والاستقواء بالمنظمات الدولية والدول الكبرى.
الرئيس سعيد ما زال مترددا في طرح رؤية جديدة للمشهد السياسي
لكن رئيس الجمهورية الذي يأمل أن يُغيّر النظام السياسي في تونس بعد أن جمد البرلمان وأقال الحكومة منذ ما يقارب الستة أشهر ما زال مترددا في طرح رؤية جديدة للمشهد السياسي في تونس تقوم على طرح نظام سياسي جديد غير القائم حاليا يمنح رئيس الجمهورية صلاحيات أكبر ، وتكون بيده السلطة التنفيذية على أن يدعو إلى انتخابات تشريعية مبكرة يتغير بموجبه البرلمان صاحب السلطة التشريعية في البلاد حتى يحدث التوازن المطلوب وتهدأ الأحوال السياسية وتستقر الحالة الاقتصادية وتمضي عجلة الاقتصاد إلى الأمام قدما دون منغصات ولا صعوبات ثقيلة كتلك التي تمر بها حاليا لكن يبدو أنه تعوزه الوسائل التي يستطيع أن يحق هذا المطلب الشعبي لما خرج للشارع.
وما زال الوقت الآن في صالح رئيس الجمهورية، لكنه لم يستغله جيدا ولم يستثمره لصالحه كما ينبغي، بل إن الأمر قد ينفلت من يده في قادم الأيام إذا لم يسارع إلى الإمساك بالعصا جيدا من الوسط بحيث يعلن عن انتهاء الحالة الاستثنائية والرجوع إلى الحالة العادية مع إجراءات جديدة تكون تونس اليوم بموجبه غير التي كانت عليه قبل 25 جويلية وإلا فإن الرجوع إلى قبل ذلك التاريخ يكون ضربا من الخسارة الفادحة وضربا من العبث السوسيولوجي.
فلا بد من تحرك سريع في هذه الأيام وينبغي على رئاسة الجمهورية أن ترى الأمور وفق ما يتراءى لها من أحداث على كل المستويات، فالحالة الاقتصادية لم تتحسن بعدُ والاحتقان الاجتماعي مازال على أشُدّه والقدرة الشرائية ما زالت تراوح مكانها والغلاء يرتفع أكثر ونفاد المخزون التونسي من بعض المواد كل ذلك يقلق المواطن الذي لم يعتد على نفاد مثل هذ المواد الأساسية، فسرعة الإنجاز في هذا الوقت مطلوبة أكثر من أي وقت مضى للتنفس قليلا وغلق الباب أمام كل من يبحث في المستنقعات لعله يجد ما يتمسك به حتى لو كان قشة غير ذات قيمة.
العنصر الأساسي للديمقراطية يتمثل في وجود برلمان
فالخطوة التي ينبغي أن يركز عليها السيد قيس سعيد في هذه اللحظات العصيبة التي تمر بها تونس هي البحث عن طريق يمكن أن يحقق مبتغى المواطنين التونسيين والسياسيين العالميين الذين ينظرون إلى تونس وكأنها بلد ينقصه العنصر الأساسي للديمقراطية وهو وجود برلمان يعمل وفق إرادة الشعب، وبعد أن تم تجميد البرلمان التونسي بقيت تونس مكشوفة أمام العالم وأصبح العالم ينظر إليها بتعجب كيف تكشف تونس سوءتها بهذه الطريقة ولا تحاول أن تواريها بقرارات جريئة وفعالة تتماشى مع القانون التونسي.
ومع احتدام الجدل حول تصريحات الرئيس حول الدستور 2014، فليس وحده من قال إن هذا الدستور أصبح غير صالح لتونس ولا يتماشى مع الرؤية الجديدة، فالشيخ راشد الغنوشي نفسه اعترف في أكثر من مناسبة بأن دستور 2014 عفى عليه الزمن ولا يلائم الفترة الحالية وعلى السياسيين أن يبحثوا عن طريق آخر إما بتنقيحه وتعديله أو بتغييره، فلِمَ كل هذه الضجة على رئيس الجمهورية اليوم بعد أن كشف أن دستور 2014 تتعارض أحكامه مع الواقع وعليه لا بد من تنقيحه وتعديله بما يتماشى مع روح العصر.
فمشروع تنقيح الدستور أو تعديله أو تغييره، مشروع له قانونيته ودستوريته وهي حركة تصحيحية ضرورية للخروج بتونس من مشاكلها لكن ينبغي في الوقت نفسه أن يكون ذلك وفق رؤية مشتركة غير أحادية حتى تتعدد الرؤى والأفكار وتبني الرؤية الأصلح والأوضح والأنجع والأنجح.
شارك رأيك