من الواضح أن ما قبل انتحار سامي السيفى حرقا داخل مقر حركة النهضة لن يكون كما بعده و أن استمرار راشد الغنوشى على رأس الحركة الإسلامية سيؤدى إلى زوالها تدريجيا لأن مشهد حرق مقرات الحركة ليلة 25 جويلية الماضي و في محطات سابقة أخرى لا يختلف في مضمونه و نتائجه و ارتداداته عن حادثة الانتحار التي جدّت داخل مقر حركة الخيانة.
بقلم أحمد الحباسى *
أن تمضى عشرين سنة فى بريطانيا بلد القضاء المستقل و الديمقراطية و الحريات و لا تتغيّر أفكارك الدموية الخبيثة قيد أنملة فهذا موضوع يثير الانتباه بشدة. ربما أدلى راشد الغنوشى بعديد التصريحات حين عودته المشؤومة إلى تونس سنة 2011 سعى فيها نفاقا بأن يوهم مريديه و خصومه بأن سنوات المنفى غيّرته نهائيا في الاتجاه العقلاني الصحيح بحيث تخلّى عن عديد الأفكار التكفيرية المتشددة التي طبعت توجهاته في فترة الزعيم الراحل الحبيب بورقيبة كما حاول أن يوهم الدول الغربية بأن حركته أو بالأحرى تنظيم القتلة الذي أنشأه بغاية الاستيلاء على الحكم بالقوة سيتغيّر ليصبح شبيها بما سمّاه البعض “بالأحزاب السياسية المسيحية الديمقراطية”. لكن و كما يقول المثل التونسي الشائع “اللي فيه طبّة عمرها ما تتخبّى” و من شاب على فكر الإخوان المسلمين الدموي شاب عليه و لا ينفع العقار في ما أفسده الدهر.
نيران مشتعلة كثيرة أضرمها كهنوت الإخوان في أجساد التونسيين
تتهم شقيقة سامى السيفى الذي تتعدد الروايات حول ما حدث له في اللحظات الأخيرة قبل الانتحار حرقا بالنار داخل مقر حركة النهضة في حي مونبليزير رئيس الحركة راشد الغنوشى رأسا و بالتحديد على اعتباره من يتحمل المسؤولية الجزائية و الأخلاقية في حادثة الانتحار، فيما يضيف أحد أعضاء النهضة السابقين كريم عبد السلام بأن شيخ الإخوان هو الذي دفع الرجل للانتحار كما دفع بغيره في حادثة حرق حارس مقر شعبة الحزب الحاكم التجمع الدستوري الديمقراطي في باب سويقة سنة 1991 و دفع الكثيرين منذ نشأة هذا التنظيم المشبوه لارتكاب عدة جرائم و اعتناق فكر تكفيري متطرف أدى بالكثيرين منهم إلى حبل المشنقة أو السجون أو المنافي.
لم تكن النيران التي اشتعلت في جسد سامي السيفى و التي شاهدها المتابعون في ذلك الفيديو المروع إلا استرسالا لنيران مشتعلة كثيرة أضرمها كهنوت الإخوان في جسد كامل الشعب التونسي منذ نشأة هذا الورم الخبيث في أوائل السبعينات من القرن الماضي لكن المثير أنه و مثلما جاء بتعليق هذا الشيخ الدموي على العملية فإنه يعيش حالة إنكار تامة أدت إلى شبه انهيار للحركة كما يؤكد ذلك قريبون منه مثل سمير ديلو و عبد الحميد الجلاصى و يمينة الزغلامى .
” لقد تمّ استدراج أخي بطريقة محبوكة و سأحاكم الغنوشى”، هكذا تعلّق شقيقة المنتحر سامى السيفى و لعل هذا التصريح من أكثر التعاليق جرأة و صراحة و إصرارا التي باتت تمثل مشكلة جدية أمام شيخ الإخوان الذي لم يفلح هذه المرة في استثمار الحدث و تغليفه بغلاف المظلومية المعروف خاصة بعد أن كشف كريم عبد السلام عدة جوانب خفية من إجرام هذا الشيخ و خبثه.
مسير, سياسية مشوبة بالخبث و الغدر و الانتهازية و بيع الضمير
ربما يظن البعض أن انتحار سامي السيفي حرقا داخل مقر حركة النهضة تبقى حادثة معزولة لكن المتابعين يعلمون أن هناك نارا تحت الرماد منذ فترة و أن هناك تململ مسيطر على القواعد و أن شيخ الإخوان قد افتضح شأنه و باتت أغراضه الدنيئة معلومة فضلا عما تطرحه كيفية قيادته الفردية للحركة و إحكامه التعتيم على أموال الحركة الخيالية التي يصرف جزءا منها في بذخ عائلته و بعض المقربين القلائل منه في حين تعيش الأغلبية من المنتمين مثل المنتحر سامي السيفى في وضعيات بائسة من تساؤلات. “كيف يحرق نفسه بتلك الكمية من البنزين؟ و لماذا قطع التيار الكهربائي و أين كاميرات المراقبة؟”… هكذا تتساءل زوجة سامي السيفى بكثير من الاتهام المغلف.
لعل تساؤلات كافة الأطراف تذهب اليوم في اتجاه ما يعرف عن شيخ الإخوان من سمات متأصلة في الغدر برفاقه و بمعارضيه و بكل الجهات الخارجية التي ارتمى في أحضانها طيلة مسيرته السياسية المشوبة بالخبث و الغدر و الانتهازية و بيع الضمير.
بطبيعة الحال لا يمكن لأي سياسي أو متحزّب أن ينتقل من حضن ثورة آية الله الخميني إلى حضن البعث ثم إلى الحضن الوهابي و الحضن الإخواني و أخيرا الحضن القطري التركي العثماني دون أن يغدر بكل الأيادي التي امتدت إليه كذلك لا يمكن أن يبقى الغنوشى قائد الحركة الوحيد إلا بعد أن يزيح كل القيادات التاريخية و آخرها عبد الفتاح مورو.
“شيخ الكذابين” لا يتورع عن الكذب حين تضطره الأحداث
ليس غريبا أيضا أن يغدر مرشد الإخوان بكل المنتسبين للحركة أو يقوم بتهميشهم أو الإساءة إليهم و لعلّ إنكاره لعلاقة الشهيد محمد الزوارى بالحركة أحد الأدلة القائمة بأن “شيخ الكذابين” كما وصفه الشهيد شكري بلعيد لا يتورع عن إيتاء الكذب الفاحش حين تضطره الأحداث أو يخاف الضغوط القطرية و الصهيونية.
من الواضح أن ما قبل انتحار السيفى لن يكون كما بعده و أن استمرار الغنوشى على رأس الحركة سيؤدى إلى زوالها تدريجيا و حتى احتماء الرجل ببعض أصوات المتزلفين و باعة الوطن و أزلام السفارات الذين شاهدنا عينة منهم في تجمعات النهضة الموتورة في شارع بورقيبة لم يعد يجد نفعا لأن مشهد حرق مقرات الحركة ليلة 25 جويلية الماضي و في محطات سابقة أخرى لا يختلف في مضمونه و نتائجه و ارتداداته عن حادثة الانتحار التي جدّت داخل مقر حركة الخيانة.
الثابت اليوم أن خلاف الأغلبية الشعبية اليوم مع خطاب حزب القتلة الذي يمثل الأقلية لم يعد حول المضمون بل تعداه إلى المدى الخطير الذي يفصل هذا الخطاب المنحرف مع الواقع، صحيح أن حركة النهضة قد استفادت من الثورة و ركبت صهوتها رغم أنها لم تكن المتسببة فيها لكن ما اقترفته من جرائم إرهابية أفقدها كل مصداقية و جاء الوقت لتتلطخ جدران النهضة بدماء أبنائها الذين يذكرون الغنوشى بشبابه في مشهد سوريالى عنيف.
* كاتب و ناشط سياسي.
شارك رأيك