لنكن واضحين من البداية فنحن لسنا مع الرئيس قيس سعيد و لا ضده و على كل حال سيادته و على حد علمي لم يفعل أو ينجز ما يشفع له بأن نقف في صفه، ما يحصل على لسان سيادة الرئيس و ما نراه في الواقع هي مجرد تأتأة سياسية و انفراد بالرأي و محاولة بائسة لإيجاد حلول باستعمال أساليب غير مناسبة فضلا عن استعداء واضح لكل النخب و المنظمات و الأحزاب التي ترفض السير في الظلام على مجرد شمعة تتلقفها الرياح في كل لحظة.
بقلم أحمد الحباسى
طبعا و حتى نكون واضحين لسنا إطلاقا و حسما مع كل هؤلاء “الخمّاسة” و الموتورين الذين تحركهم حركة النهضة و بعض حنفيات أموال السفارات و الذين يتشبثون بتلابيب غريق اسمه الشيخ راشد الغنوشى أملا في الحفاظ على مصالحهم الفئوية الانتهازية، بنفس الإصرار نؤكد أن للرئيس شبه مشروع غير محدد المعالم يتم تنفيذه باستعمال أجهزة الدولة التي سخرها بالعنف المعنوي و الإيحاء و الغمز و اللمز حتى يعطى لذلك “المشروع” المبهم شرعية شعبية تمكنه من مواصلة عنتريات الخطاب و إخفاء نواياه الحقيقية.
لن ينجح الرئيس قيس سعيد في النهاية و سيفشل فشلا ذريعا و سيخرج من الباب الصغير رغم محاولة آلته “الإعلامية” المشبوهة التي لا ندرى مصادر تمويلها و من يقف وراءها فعلا و ما هي أهدافها الحقيقية.
الرئيس يراوح في نفس المكان
ما نؤكده ليس من باب التنجيم و ضرب الودع كما يظن بعض المتشبثين بالمقولة الشائعة “معيز و لو طاروا” بل هي مجرد قراءة سياسية اقتصادية موضوعية مجردة من العواطف تقول أن الرئيس و بعد مدة لا يستهان بها لا يزاول يراوح في نفس الأفكار و المكان متشبثا بنفس القوالب الجدلية الجاهزة. ينتقد خصوم الرئيس و تساندهم في ذلك طبقات غفيرة من كل فئات الشعب بكونه لم يذهب في محاولته المعلنة لمعالجة الأوضاع و وصول الدولة إلى حافة التسوّل و الإفلاس إلى بيت القصيد وهي المعضلة الاقتصادية و الاجتماعية وهو يجد نفسه نتيجة أميته السياسية الواضحة في نفس الموقع و المشكل الذي وجدت النهضة فيه نفسها طيلة العشرية الماضية من الحكم.
لا يمكن للرئيس أن يذهب بعيدا بشبه دبلوماسية عرجاء فاقدة للبوصلة و تنخرها العلّة بعد أن تبين أن بعض السفارات قد تحوّلت إلى بؤر فساد و رشوة و تعامل مع جهات مشبوهة و بالذات في ملف الإرهاب. ما حصل في سفارتي تونس بسوريا و فرنسا يغنى عن كل تعليق، لا يمكنك أن تذهب بعيدا بدون وجود إستراتيجية موضوعية واضحة في مجال الأمن الغذائي، نفس الشيء في مجال ضرب الاحتكار، أيضا لا يمكن للرئيس مهما صدقنا نواياه أن يصل إلى نتيجة تذكر في ظل قضاء ينخره الفساد بالطول و العرض و في ظل أرقام عاطلين عن العمل بالآلاف. لعل مبادرة الرئيس بإطلاق حملته في مسألة الصلح الجزائي قد أثارت كثيرا من السخرية و الجدل العقيم أكثر مما أبرزت من حلول ممكنة بحيث تبيّن أن ما أطلقه الرئيس هي مجرد فكرة ولدت ميّتة.
ربما لا يعرف البعض الكثير عن الطاقم السياسي للرئيس و ربما تأكد هؤلاء اليوم أن سيادته يقود البلاد بلا طاقم و بالرؤية لا غير لكن الثابت أن كبير القوم في قصر قرطاج لم يتسلح منذ وجوده في ذلك المكان بعقول مميزة قادرة على بلورة ما يمكن تسميته بمشروع الرئيس و بيان عناوينه المفصلية الكبرى حتى يمكن للعارفين في السياسة و الاقتصاد مناقشته بما يلزم.
لغة تخويف الشارع تستعملها كل الأنظمة الاستبدادية
نحن أمام رئيس يستلهم خطابه من بعض العنتريات الناصرية و نسبة تصريحه و اتهاماته للمجهول و هو ما يدفع العديدين إلى الجزم بأن الرئيس يستعمل لغة تخويف الشارع مثلما تفعل كل الأنظمة الاستبدادية لتحكم و تبرر اتخاذها للإجراءات القمعية التعسفية التي لا يمكن أن تتجانس إطلاقا مع أهداف الثورة و مع متطلبات الديمقراطية.
هناك من يتساءل اليوم حول قدرة الرئيس على قيادة البلاد و هناك من يطرح فكرة قائلة إذا كان الرئيس غير قادر على بلورة مشروع اقتصادي قابل للتنفيذ فكيف له أن يعالج ملفات خطيرة مثل ملفات الاغتيالات و الإرهاب و التسفير و الأموال الخارجية المشبوهة و إغلاق مقر الشيخ يوسف القرضاوى؟
هل هناك من ورّط الرئيس ليلة 25 جويلية أو فعل كل شيء لتتعفن الأوضاع بصورة عامة ليخرج سيادته في ثوب المنقذ الوحيد للبلاد؟ لماذا لم يتحرك الرئيس في محطات كثيرة سابقة كانت البلاد تهوى إلى القاع؟ ما هو موقف المؤسسة العسكرية من الرئيس و من قرارات الرئيس؟ هل يمكن لسياسي عاقل أن يثق حدّ الاستسهال في شعار “الشعب يريد” و الحال أن هذا الشعب قد انقلب على زعامة بورقيبة و حكم بن على و أخيرا و ليس آخرا على حكم منظومة الإخوان المفلسين؟
من يدفع إلى إنشاء حزب الرئيس و ما هي عناوين التمويل ؟ لماذا تقف بعض الدول الأجنبية موقف المتفرج الشامت دون أن تقدم يد العون؟ ما الذي سيتغيّر إلى حدود الانتخابات القادمة؟ ماذا سيكون موقف الاتحاد بعد تعرضه لعبارات غير متزنة من الرئيس؟ ما هي إذن عناوين المرحلة السياسية القادمة و هل ستبقى السيدة نجلاء بودن في منصبها الشرفي إلى تاريخ الانتخابات؟ لعل الإجابة على كل هذه الأسئلة صعب لكن الثابت أن حقيقة الوضع أصعب بكثير.
* كاتب و ناشط سياسي.
شارك رأيك