بي بي سي نيوز عربي تكشف النقاب عن مكالمات هاتفية حصرية سجلت سراً، وأجراها الرئيس التونسي السابق زين العابدين بن علي خلال الساعات التي سبقت تنحيه عن السلطة، مساء 14 جانفي 2011، ما أدى إلى انطلاق أحداث ما يعرف بالربيع العربي. فيديو.
يكشف الفيلم الوثائقي “المكالمات الأخيرة للدكتاتور”، الذي أنتجه فريق الوثائقيات في بي بي سي نيوز عربي، والمتاح على منصات بي بي سي نيوز اعتبارًا من اليوم الجمعة 14 يناير/كانون الثاني، عن مكالمات يُعتقد أن الرئيس التونسي آنذاك، زين العابدين بن علي أجراها عام 2011 ولم تبث أبدا من قبل.
وقد حلل هذه التسجيلات خبراء سمعيات، ولم يجدوا بها أي دليل على تعرضها للتعديل أو التلاعب. كما أن بي بي سي أسمعت هذه التسجيلات لأشخاص على معرفة بأطراف المكالمات المسجلة، وهم يعتقدون أن الأصوات حقيقية، ما يزيد الثقة في هذه التسجيلات. ورغم أن بعضا من أطراف المكالمات يشككون في صحتها، إلا أن بي بي سي، وقد أمضت أكثر من عام في البحث والتدقيق للتحقق من صحة التسجيلات، تعتقد أنها أصلية.
في غضون 48 ساعة، تُظهر التسجيلات أن بن علي تحول من مستبد متماسك إلى منبوذ من أقرب مستشاريه ومعاونيه الذين حثوه على البقاء بعيدا عن تونس وذلك حين كان يرافق عائلته على متن طائرة متوجهة إلى المملكة العربية السعودية بحثا عن الأمان. وخلال ساعات من مغادرته البلاد، انتهى حكمه الذي استمر 23 عامًا.
ويعتقد على نطاق واسع أن الإطاحة ببن علي حفزت احتجاجات الربيع العربي عام 2011، في بلدان مثل مصر وسوريا وليبيا واليمن.
تبدأ التسجيلات مساء يوم 13 يناير/كانون الثاني، باتصال بأحد أقرب مستشاريه، يُعتقد أنه طارق بن عمار، وهو قطب إعلامي نافذ ومنتج أفلام. في وقت سابق من ذلك اليوم، كان بن علي قد ألقى خطابا متلفزا للأمة، في محاولة لإخماد المظاهرات الشعبية المناهضة له، وبدا مطمئنا حين أغدق عليه بن عمار الثناء.
لكن في اليوم التالي، اشتدت حدة الاحتجاجات. واستقل بن علي الطائرة في رحلة طارئة إلى المملكة العربية السعودية ليرافق عائلته إلى بر الأمان. على متن الطائرة، اتصل بوزير الدفاع رضا قريرة، وبقائد الجيش رشيد عمار، وبأحد المقربين والذي تعتقد بي بي سي أنه كمال الطيف.
حين سأل قريرة عن الوضع في تونس، أخبره قريرة أن رئيسا مؤقتا قد حل محله الآن. طلب بن علي من قريرة تكرار هذه المعلومة، قبل أن يرد بأنه سيعود إلى البلاد “خلال بضع ساعات”.
اتصل بكمال وأخبره أن وزير الدفاع قد طمأنه بأن الوضع تحت السيطرة. صحح له كمال هذا التأكيد: “لا، لا، لا. الوضع يتغير بسرعة، والجيش ليس كافيا”. ثم سأل بن علي: “هل تنصحني بالعودة الآن أم لا؟” فأجاب كمال: “الأمور ليست بخير”.
ثم اتصل بن علي برشيد عمار، الذي طمأنه بأن “كل شيء على ما يرام”. وحين سأله بن علي إن كان ينصحه بالعودة إلى تونس، قال رشيد عمار إن عليه أن “ينتظر قليلا”.
اتصل بقريرة مرة أخرى، واستشاره مجدداً بشأن العودة إلى تونس، فأجابه قريرة بأنه “لن يضمن سلامته” إن فعل ذلك.
بعد منتصف الليل بقليل، حطت طائرة الرئيس بن علي في جدة بالمملكة العربية السعودية.
في صباح اليوم التالي، اتصل بن علي بقريرة الذي أخبره أن هناك حديثاً يتردد عن وقوع انقلاب. رفض بن علي ذلك معتبرا إياه تحركات من قبل “الإسلاميين”، وأثار مجددا مسألة العودة إلى البلاد. حاول قريرة مصارحة رئيسه بأن: “هناك غضب في الشارع بشكل لا يمكنني وصفه. سيدي الرئيس، أقول لك بكل صدق، لا يمكننا ضمان سلامتك”.
خلال ساعات، تم تشكيل حكومة جديدة في تونس. لم يعد بن علي إلى وطنه، ومات في المنفى عام 2019.
حين اتصلت بي بي سي بأطراف المكالمات المسجلة، رفض كل من قريرة وعمار التعليق على التسجيلات، بينما نفى كل من كمال الطيف وطارق بن عمار بشدة صحة التسجيلات، حيث قال بن عمار إنه لم يحاول طمأنة بن علي بشأن حكمه.
شارك رأيك