هل يستوجب تطهير القضاء في تونس حملة شعبية و ضغطا متزايدا لجبر المجلس الأعلى للقضاء الذي يرفض كل إصلاح على الرحيل؟ هل دقت ساعة الصفر لتطهير القضاء من الفاسدين و محاسبتهم؟ هل ستعيش تونس معركة تحرير القضاء من براثن الإخوان؟
بقلم أحمد الحباسي *
القضاء في تونس مريض و لن يشفى مهما أتينا له من خيرة الأطباء و الناصحين. قضاؤنا فاشل ولا علاقة له بهموم الشعب و ليست له رغبة فى إصلاح نفسه من كل الأدران العالقة به منذ سنوات. قضاؤنا أصبح عبئا على المواطن و مثيرا للاحتقان و مجردا من كل المبادئ الذي تضمنها قسم القضاء. قضاؤنا لم تعد لديه أعذار ليبقى و الأمل اليوم أن يستقيل أفراد المجلس الأعلى للقضاء و يرحلوا غير مأسوف عليهم بعد أن أهان وجود الكثيرين منه كرسي القضاء العالي و كانوا أسوأ خصوم الشعب الذي يصرف لهم مرتباتهم وعلاواتهم و كل ما يتبع الوظيفة من حوافز أخرى. قضاؤنا فضائحه أكثر بكثير من إنجازاته و ثرثرة أعضائه الإعلامية الزائدة تستغرق أكثر من الوقت الذى يقضونه بين المكاتب فى القيام بواجبهم المهنى.
قضاتنا يرفعون شعارا مزيفا إسمه هيبة القضاء و يتباهون بكون هذا المجلس هو الدليل الناجز على استقلاليتهم و يعارضون بأنهم معصومون من المساءلة بوصفهم السلطة التي لا يأتيها الباطل لا من أمامها و من خلفها و فيهم و منهم من يخرج في الإعلام مهددا مزبدا و نذيرا متجاهلا في غمرة نرجسيته و غروره أنه لا سلطة أعلى من سلطة الشعب و أنهم يبقون رغم الغوغاء المشبوهة و الغبار المنثور حولهم و بنص قانون القضاء مجرد موظفين في الدولة و ليسوا هم الدولة و نحن الرعية.
لماذا يرفعون شعارات مقاومة الفساد و إصلاح القضاء و الضرب على يد المرتشين منهم و هم يعلمون أن هذه الشعارات تبقى مجرد شعارات تخفى وراءها وضعا قضائيا وصل إلى أعماق أعماق السقوط و لماذا يتجاهلون أن القضاء قد وجد أصلا لأقوياء النفوس و ليس للخائرين، لأشخاص عزموا و توكلوا على تطبيق القانون و إحقاق الحق و ليس لحماية الفاسدين و الإرهابيين.
لماذا يرفض مجلس القضاء إصلاح المنظومة القضائية ؟
تؤكد رئيسة نقابة القضاة القاضية أميرة العمري أن الفساد استشرى في القضاء و هناك تجاوزات خطيرة جدا في المنظومة القضائية و يتهم بعض القضاة نظرائهم في المجلس الأعلى للقضاء بكل النعوت السلبية المشينة و المسيئة للسمعة و يقف ملف رئيس محكمة التعقيب السابق القاضي الطيب راشد أحد الأمثلة المرعبة على فساد القضاء بداية من أعلى هرم في القضاء و في المجلس الأعلى للقضاء، مع ذلك و رغم كل هذه الاتهامات و الدعوات لا يزال المجلس الأعلى للقضاء مصرا على رفضه الصريح مراجعة و إصلاح المنظومة القضائية بواسطة المراسيم الرئاسية داعيا المجلس إلى التمسك باستقلاليته و بالمقابل لا يعير هذا المجلس اعتبارا لكل مشاعر المواطنين التي لا ترى في وجوده فائدة بعد أن مسّته كل الاتهامات بالفساد و عدم الاستقلالية و الرشوة و التغطية على ملفات الإرهاب فضلا عن إصدار أحكام تستدعى كثيرا من الأسئلة و تلقى بكثير من علامات الاستفهام.
من عادة كل الأحزاب في العالم محاولة استقطاب المؤسسة القضائية و وضعها تحت الضغط سواء بالترغيب أو الترغيب و لعل ما حدث طيلة العشرية السوداء الأخيرة من حكم حركة النهضة أبرز دليل على سقوط القضاء التونسي في العدم و ما أصبح يعرف تندرا بقضاء نورالدين البحيري وهو أحد قياديي حركة النهضة المتهم بإخضاع عدد من القضاة إلى الحركة الإسلامية.
المشكلة هنا أن المجلس الأعلى للقضاء قد كان أبرز أعضائه الفاعلين جزءا من منظومة الفساد و الارتشاء و تبييض الإرهاب و إخفاء المعلومات في ملفات الإرهابيين و محاولة تضليل الأدلة و الحقيقة و بالذات فى أبرز ثلاثة ملفات حارقة هي ملف الشهيدين شكري بلعيد و محمد البراهمى و ملف الجهاز العسكري السري لحركة النهضة و ملف تسفير الإرهابيين التونسيين إلى سوريا.
المشكلة أيضا أن هذا المجلس الذي قبل طوعا أن يكون الذراع القوية لحركة النهضة ” لمعالجة” ملفات جرائمها و عملياتها الإرهابية بذلك الصمت و التعتيم هو من يقف اليوم مدعيا الطهارة و العفة و متجاهلا كل ما ما قدمه من خدمات لفائدة حركة إرهابية لم تتورع عن خيانة الوطن و سفك دماء أبناءه بكل برودة دم.
ما أفاض الكأس هذه المرة و رفّع منسوب الاحتقان الشعبي بشكل غير مسبوق و دفعه إلى المجاهرة بطلب حل المجلس الأعلى للقضاء و المطالبة إن لزم الأمر و توفرت الظروف محاكمة أعضائه و عزلهم نهائيا عن المباشرة و فضح أدوارهم المشبوهة هو حيثيات و ارتدادات قرار المحكمة الإدارية الأخير القاضي بنقض قرار المجلس الأعلى للقضاء و إرجاع القاضي المشبوه البشير العكرمي لخطته الوظيفية و لم يبق إلا إلزام الشعب بالاعتذار منه.
ما حقيقة الخروق القانونية المقصودة ؟
طبعا لن ندخل في حيثيات حكم المحكمة الإدارية و ما رافقه من لغط و اتهامات و لكن من الوجيه الإشارة إلى ما شاب قرار المجلس الأعلى للقضاء “بتجميد” القاضي البشير العكرمى من خروق قانونية مقصودة و من شكوك حول الأسباب التي دفعته إلى ارتكاب هذه الحزمة من الأخطاء التي لا يرتكبها أكثر المبتدئين في القضاء و التي عددتها مستندات حكم المحكمة الإدارية و هنا نتساءل هل كانت الأحداث التي رافقت إيقاف البشير العكرمي هي مجرد مسرحية “بايخة ” من صنع المجلس الأعلى للقضاء شاهدها ملايين المغفلين من هذا الشعب؟
لماذا تتعالى صرخات المطالبة بحل المجلس للقضاء و إصلاح كامل المنظومة القضائية و هل حان الوقت لتطهير القضاء من هؤلاء الفاسدين ؟
لماذا يجب على بعض الأصوات النشاز التي تطالب بما يسمى نفاقا و بهتانا باستقلالية القضاء أن تخجل لأنها جزء من المشكلة ؟ لماذا لا تنتبه هذه المؤسسة إلى أن صبر الشعب قد نفذ و أن ما حصل لمجلس النواب يمكن أن يتكرر؟
هل سيشكل رفض المجلس حل نفسه القطرة التي ستفيض صبر المتقاضين الذين ضاعت حقوقهم بسبب استهتار فئة كبيرة و قلة انضباطها و سعيها المحموم للمناصب و خدمة اللوبيات ؟
هل يستحق تطهير القضاء حملة شعبية و ضغطا متزايدا لجبر المجلس على الرحيل؟ هل دقت ساعة الصفر لتطهير القضاء من الفاسدين و محاسبتهم؟ هل ستعيش تونس معركة تحرير القضاء من براثن الإخوان؟
* كاتب و ناشط سياسي.
شارك رأيك