في البيـان التالي الذي أصدرته اليوم الإثنين 24 جانفي 2022 جمعية أصوات نساء تقدم قراءة نقدية للاستشارة الوطنية الألكترونية التي اقترحها رئيس الجمهورية قيس سعيد كوسيلة لاستشراف الإصلاحات الدستورية و السياسية المستقبلية و ترى في وعود الاصلاح ما أسمته “ضبابية المستقبل”.
في إطار عمل قسم المناصرة لأصوات نساء في متابعة السياسات العامة وعمل رئاسة الجمهورية، تقدم أصوات نساء تقريرا حول الاستشارة الوطنية التي أعلن عنها رئيس الجمهورية السيد قيس سعيد, و هي عبارة عن قراءة نقدية لهاته الاستشارة تحت عنوان “بين الوعود بالإصلاح و ضبابية المستقبل”.
ذلك أن رئيس الجمهورية كان قد أعلن في 13 ديسمبر 2021 عن إطلاق الاستشارة الوطنية و التي ستكون مفتوحة للعموم من 15 جانفي 2022 الى 20 مارس 2022. بدخولنا الى موقع الاستشارة, تفتتح الصفحة الرئيسية بما يلي : “لأنَّ رأيك مهمٌّ من أجل الإصلاح والبناء، عملنا على تطوير منصَّةٍ وطنيةٍ تمكِّن التونسيين والتونسيات في الداخل والخارج من إبداء آرائهم في أمهات القضايا المتعلقة بالشأن السياسي والانتخابي، والشأن الاقتصادي والمالي، والشأن الاجتماعي والتنمية والانتقال الرقمي والصحة وجودة الحياة والشأن التعليمي والثقافي”
إن قراءة هاته الافتتاحية يوحي للوهلة الأولى بوجود ترجمة لوعود الإصلاح التي أعلن عنها رئيس الجمهورية إبان اتخاذه للإجراءات غير المسبوقة في 25 جويلية 2021, في منحى تشاركي يضم جميع فئات المجتمع و يعبر عن إرادة الشعب التي ما انفك السيد قيس سعيد يصدح باحترامها و بتقيده بها. و لكن و بالتمعن في فحواها نجد أنها تحتوي على جملة من النقائص بل حتى من الأخطاء, و ذلك على مستوى الشكل و المضمون, و ذلك في غياب سياسة اتصالية ممنهجة قادرة على الإجابة على جملة الأسئلة التي يطرحها عموم الشعب التونسي.
فعلى مستوى الشكل, نلاحظ ضعف المنظومة الالكترونية الحاملة للاستشارة إذ أنه من الصعب الولوج إليها و تتعدد فيها الاخلالات التقنية, كما أن التسجيل في الاستشارة يستوجب حمل شريحة الكترونية إسمية مطابقة لحامل بطاقة التعريف الوطنية, و هو ما يشكل في نظرنا عائقا أمام مشاركة الشباب و المسنين(ات) اللذين يحملون في غالب الأمر باسم أوليائهم.
أيضا, و على مستوى السياسة الاتصالية للمشرفين على الاستشارة, يمكن ملاحظة وجود نقص فادح في التعريف بها. اذ أننا نشهد غيابا كليا للومضات الاشهارية و الحملات التوعوية التي من شأنها حث عموم المواطنين و المواطنات على المشاركة فيها, و هو ما يمكن يطرح جملة من المخاوف متمثلة أساسا في حصر نطاق المشاركة في الاستشارة, و لو بصفة غير مباشرة, في أنصار الرئيس قيس سعيد و متبعيه, و هو ما سيؤثر على نتائج الاستشارة و الخيارات التي ستنبثق عنها. كما أنه لا توجد إيضاحات عن مصير ملايين المعطيات الشخصية التي ستجمعها منظومة الاستشارة.
على مستوى المضمون, يمكن ملاحظة في بادئ الأمر وجود عدة أخطاء لغوية و التي و ان كانت لا تؤثر على نتائج الاستشارة فانها تنم عن العجلة التي شابت اعدادها. أيضا يمكن ملاحظة أن عديد الأسئلة الموجهة للمواطنين و المواطنات انحصرت في تشخيص المشاكل بدون التطرق الى الحلول. بل أكثر من ذلك, طُلِب من المشاركين و المشاركات اختيار 3 مقترحات من جملة الإجابات المقترحة, و هو غير منطقي بالمرة, اذ كيف يمكن الاختيار مثلا بين “ضعف الدعم المادي” و “التعهد النفسي و الصحي غير الكافي” في ما يتعلق بنقائص الرعاية الاجتماعية لكبار السن وذوي الاحتياجات الخاصة في الجهة.
من جهة أخرى, لاحظنا وجود بعض الأسئلة التي تحمل اختيارات لا تكشف عن الغاية الحقيقية منها, اذ أنها و لو تبدو بسيطة في ظاهرها فهي تحمل في باطنها سياسة كاملة أو أيديولوجية معينة. هاته الاختيارات الخفية تظهر جلية في السؤال الأول على سبيل المثال القائل ” طموحاتك في أن تصبح تونس؟” أو في السؤال المتعلق بسحب الوكالة من النواب و الذي يخفي في طياته سؤالا عن النظام الانتخابي.
أخيرا, تجدر الإشارة الى ان هذا التقرير تم اعداده في الفترة الممتدة بين 10 و 15 جانفي 2022. بدخولنا الى الاستشارة بتاريخ 19/01/2022 لاحظنا تغيرا في محتوى الأسئلة و في طريقة صياغتها, مقارنة بالأسئلة التي تم عرضها عند التجربة البيضاء. الخطير في الأمر و بالتوازي مع هذا التغير, لاحظنا حذف بعض الأسئلة. ذلك أن السؤال المتعلق بالنواب كان مطروحا كالاتي : ” هل أنت مع سحب الثقة من النائب في صورة عدم رضاء الناخبين على أدائه” و أصبح “هل أنت مع سحب الوكالة من النائب الذي لم يعد يتمتع بثقة الأغلبية قبل انتهاء الفترة النيابية”. كذلك فان السؤال الوحيد المتعلق بالنساء “ما هي أهم المشاكل التي تواجهها المرأة في جهتك”, فقد تم حذفه, و في ذلك ترجمة لعدم مبالاة الدولة التونسية بوضعية النساء في تونس و تخليها عن مواطناتها و عدم إعارتهن الاهتمام الذي تستحقهن.
و في الأخير لا يسعنا الا أن نتساءل مرة أخرى عن الغاية من هاته الاستشارة و عن مصير الكم الهائل من المعلومات و المعطيات الشخصية التي ستجمع من خلالها و عن إمكانية تغيير و تطوير محتواها بناء على اراء الخبراء و الخبيرات و أيضا عن دور الهيئة التأليفية التي سيقوم بتعيين أعضاءها السيد رئيس الجمهورية. أسئلة بقيت و ستبقى دون أجوبة في ظل الصمت المدقع لرئاسة الجمهورية و لمصالح الدولة التونسية.
يمكنكم الإطلاع على الإستشارة عبر هذا الرابط.
شارك رأيك