حركة النهضة تقلق على صحة نور الدين البحيري الخاضع للإقامة الجبرية على خلفية اتهامات بالضلوع في قضية إرهابية و لكنها لا تنزعج كثيرا لوضع صحة التونسيين في ظل الانتشار السريع لفيروس كورونا و ما يطرحه من إشكالات في كل القطاعات الحيوية في االبلاد من صحة و تعليم و ثقافة واقتصاد. و الواضح أن الهم الوحيد للحركة الإسلامية التونسية هو مصالح قادتها و ليس مصلحة التونسيين التي ضيعتها تماما خلال عشر سنوات من الحكم.
بقلم توفيق زعفوري *
تابعت و قرأت بيان حركة النهضة الصادر اليوم الاثنين 24 جانفي 2022، و كان كغيره من البيانات الماضية مستنكرا منددا بالضغط المتزايد على السلطة القضائية و مشهّرا متوعدا وزير الداخلية توفيق شرف الدين الذي يُعزى له وضع الرجل الثاني في الحركة نور الدين البحيري في الإقامة الجبرية، و هذا هو أصل موضوعنا، و ليس القضاء و السلطة القضائية، مع أن الأمر بالنسبة للنهضة مناسبة للتعاطف مع السلطة القضائية و التنديد بأسلوب وزارة الداخلية و ما نتج عنه من تدهور صحة وزير العدل النهضاوي السابق و محملة وزير الداخلية و الرئيس قيس سعيد في شخصهما مسؤولية ما سينجر عن ذلك!
السؤال الذي يطرح بإلحاح هو التالي: لماذا تقلق النهضة على صحة نور الدين البحيري، و لا تقلق على صحة 750 من التونسيين المصهبين بفيروس كورونا هم في المشافي العامة و المصحات الخاصة؟ لماذا لا تقلق على 78 حالة جديدة من المصابين بفيروس كورونا دخلت أمس المشافي؟ لماذا لا تقلق على 166 شخصا من المصابين بالفيروس اللعين و الذين يقيمون بأقسام الإنعاش و العناية المركزة؟ ثم لماذا لا تظهر شيئا من القلق على 46 تونسيا مصابين بنفس الفيروس يوجدون اليوم تحت أجهزة التنفس الإصطناعي؟ لماذا لا يهمها من أمر التونسيين ضحايا الإرهاب من المدنيين و العسكريين و الأمنيين و العزّل و لا يهمها إلا صحة نور الدين البحيري، أو أي واحد آخر من أبنائها؟ و حتى و إن سقط واحد في أي مكان و في أي وقت، تحوّل هذا الأخير بقدرة قادر إلى عنصر نهضاوي و فاعل و من القيادات فقط لإحراج السلطة و الرئيس و لمزيد إحداث فجوة في الثقة بين التونسيين و المؤسسات أو إظهار الرئيس في مظهر الآمر الناهي الواحد الأحد. وفي هذا قول آخر ليس هنا مقامه…
ما يهمنا في البيان هو أيضا القلق على “قفة التونسي” و تدهور مقدرته الشرائية و النقص الفادح في المواد الأساسية، و كأنها تتنكر لمنظومة فاسدة كرستها و تحالفت معها و كانت جزء منها و تحركها طوال عشر سنوات، ها هي اليوم تندد بما تفعله المنظومة التي كانت تحت إمرتها، و اليوم تتباكى على مقدرة التونسي الشرائية!
بيانات حركة النهضة المتتالية هي فقط ورقات ضغط من الداخل، بعد فشل ورقات الضغط الخارجية و “الأستفيدة” الجديدة، و مكالمة الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون الأخيرة مع الرئيس قيس سعيد قد تكون هي الأخرى نتاج لتلك الشكاوي و “الاستفيدات” للبرلمان الأوروبي، و مجلس حقوق الإنسان إضافة إلى التصريح الأخير للأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش حول الوضع في تونس… كلها أساليب ضغط على الرئيس للعودة إلى ما قبل 25 جويلية… عودة لا أحد من التونسيين – عدى النهضاويين و أذنابهم – يفكر فيها أصلا…
* محلل سياسي.
شارك رأيك