كثيرا ما كانت السيدة نادية عكاشة، مديرة ديوان الرئاسة، محل انتقاد من السياسيين المحسوبين على حركة النهضة وغيرهم باعتبارها شخصية غريبة الأطوار، فهي في نظرهم المرأة التي كانت تسيطر على الرئيس قيس سعيّد، وهي التي كانت تخطّط وتبرمج وتنفّذ، وما على الرئيس إلا أن يوافق، بل إن كثيرا منهم اعتقد أنها علمانية لا تتوافق مع توجهات الرئيس الدينية، فكيف اجتمعا معًا في قصر قرطاج، وكيف قبلت العمل معه؟ وكيف عيّنها الرئيس، وهو يعلم أنها تكره الإسلاميين بكل توجهاتهم؟ ورغم هذه الانتقادات الحادة التي كانت تُوجّه إليها عبر مواقع التواصل الاجتماعي خصوصا وعبر الحوارات التي كانت تجري في الإذاعات والقنوات التلفزية، كانت صامدة في وجه هذا التيار وتعتبر أن عملها أهم وأكبر من كل هذا الذي يحدث حولها.
بقلم فوزي بن يونس بن حديد *
لكن ما الذي جرى؟ وما الذي حدث حتى تستقيل نادية عكاشة من منصبها، وتعلن ذلك هي نفسها قبل أي إعلان رسمي من طرف رئاسة الجمهورية، في تدوينة نشرتها أول أمس، الإثنين 24 جانفي 2022؟ وما هي الإشكالات التي توقفت عندها و الخلافات التي تحدثت عنها في تسيير شؤون البلاد و مع أي طرف جدت هذه الخلافات… حتى لا تستطيع مواصلة العمل في منصبها؟ هل لأنها لم تستطع تجاوز هذه الخلافات أو على الأقل لم تستطع تحقيق ما تريده من منصبها؟ ما الذي دفع عكاشة إلى الاستقالة فعلا في هذا الوقت بالذات الذي قد يحتاج فيه الرئيس إليها و إلى كل معاونية المقربين أكثر من أي وقت مضى؟
حالة من الغموض تسود العلاقة بين الرئيس والسياسيين
نعلم جيدا كيف هندست السيدة عكاشة بعض تحرّكات رئيس الجمهورية، وكيف ساندته بقوة في اتخاذ قرارات 25 جويلية 2021، وكيف كانت تسعى لإبعاد الأحزاب السياسية لا سيما حزب النهضة وحزب ائتلاف الكرامةمن الحياة السياسية وهما أكثر من انتقدها في فترة عملها، لكن الذي لا نعلمه يقينًا هو ما السبب الرئيسي أو الحقيقي وراء استقالتها حتى لو صرحت بأنه اختلاف في وجهات النظر حول تسيير شؤون البلاد؟
من الطبيعي أن يكون هناك اختلافٌ في وجهات نظر بين الرئيس ومعاونيه لكن لا يصل إلى حدّ القطيعة، وما حدا بالسيدة نادية عكاشة أن تترك منصبها هو أمر غير عادي وثقيل أجبرها على اتخاذ مثل هذا القرار، فمجرد اختلاف في وجهات النظر لا يبيح للإنسان أن يتخذ مثل هذا القرار الصعب، بل إن قراره ذاك يكون مبنيا على معطيات جديدة قد تكون فعلا أجبرته على ذلك، فهل يعني ذلك أن الرئيس بدأ يفقد حاشيته ومناصريه الأقربين في الفترة الأخيرة بعد أن استمرّ في خطابه التعنيفي ضد معارضيه؟ وبعد أن عاند كل الأحزاب السياسية وأقصاها من صنع القرار؟ أو بعد أن اصطدم بالقضاء ومنح وزير الداخلية توفيق شرف الدين صلاحية تصفية خصومه السياسيين من خلال محاسبة الفاسدين منهم؟ أو أنه بدأ يجافيها بعد أن شكّل حكومته وأصبح يعتمد في تقاريره على رئيسة الحكومة السيدة نجلاء بودن ووزير داخليته توفيق شرف الدين؟
الأمل أن تتصالح الرئاسة مع المنظمات والأحزاب
قد يكون السبب جانبا من ذلك وقد لا يكون شيئا من ذلك، فالمهم أن نادية عكاشة استقالت من منصبها ولم تعد مديرة ديوان الرئاسة في قصر قرطاج ولم يعد لها اليد الطولى في القصر كما يبدو، أو أنها بدأت فعلا تخاف من عُقدة الفشل التي يمكن أن تؤول إليه الأوضاع في تونس بعد حالة من الغموض التي تسود العلاقة بين الرئيس والسياسيين، أو أنها تلقت تهديدا مباشرا من أي طرف خارجي بأنها متورطة في ما يقوم به السيد قيس سعيد من إجراءات تخالف الدستور حسب قولهم، كل ذلك أيضا وارد في مجموع التخمينات والتأويلات، لأن السيدة عكاشة فاجأت الجميع بالاستقالة بعد أن كانت مناصرة لكل قرارات السيد قيس سعيد.
واليوم ونحن نعيش أطوارا جديدة في تونس نأمل أن تسير الأمور في مسارها الصحيح، سواء بقيت عكاشة في منصبها أو رحلت، فهي أدرى بمصلحتها، وحينما قررت لا بد وأنها فكرت كثيرا، ورأت أنه من مصلحتها أن تستقيل وتخرج من الباب بنفسها خوفا من أن يخرجوها يومًا فيما لو حدث أمر ما لأن الأحداث في نظرها تسير نحو الأسوأ ولا شيء واضح يلوح في الأفق.
كما نأمل أن تتصالح الرئاسة مع المنظمات والأحزاب السياسية لتتوافق على منهج سياسي جديد، قوامه الوطن وأساسه نظام رئاسي معتدل، ودستور يحقق للبلاد العدل والمساواة والتنمية والاقتصاد القوي، بعيدا عن أي مساومات ومصالح شخصية.
* محلل سياسي.
شارك رأيك