إن حصلت أو لم تحصل على مطالبها التنموية و خاصة منها طلب أهاليها بأن تتحول إلى ولاية تتوفر فيها أهم المرافق الحيوية، فإن جزيرة جربة الواقعة في الجنوب الشرقي للبلاد التونسي ستظل منارة وقِبلة السائحين من كل مكان لما تتميز به من هواء عليل واستقرار وهدوء، والعيش مع الطبيعة وفي الطبيعة، وكرم الضيافة والاستمتاع بشواطئها الخلابة وغاباتها الوارفة ومساجدها التاريخية وآثارها وتراثها الخالد عبر الزمن، إنها فعلا جزيرة الأحلام لمن يحلم بالسكينة والطمأنينة ويحلم بالهدوء والأمن والأمان.
بقلم فوزي بن يونس بن حديد
تعيش جزيرة جربة هذه الأيام فعاليات متنوعة وحركة ثقافية من شأنها أن تنعش الاقتصاد الذي تأثر في الفترة الماضية نتيجة الأزمة الصحية التي عمّت البلاد التونسية من أقصاها إلى أقصاها وتسببت في كارثة اقتصادية لم تشهد لها مثيلا.
ورغم هذا التأثر الكبير إلا أن الجزيرة استطاعت أن تصمد طويلا في وجه العاصفة الصحية – إن صح التعبير – بإمكاناتها المحدودة وبقيت محط أنظار العالم كوجهة سياحية عالمية مفضّلة وباستقرارها وهدوئها المعتاد وهوائها العليل حيث لا مصانع تلوّث الهواء النقي ولا ضجيج كضجيج المدن الكبرى الأخرى، لكنها تعاني من مماطلة المسؤولين الكبار في الدولة حول العديد من المطالبات لعل أهمها على الإطلاق رفع المستوى الإداري للجزيرة من منطقة تابعة لولاية مدنين إلى ولاية رقم 25 للبلاد التونسية.
لنضع حدا لمعانات المواطن الجربي
وفي ظل التحركات الداخلية والخارجية، شهدت الجزيرة نشاطات ثقافية مهمة آخرها مهرجان آجيم الدولي الذي حقق نجاحا كبيرا بإمكاناته المحدودة جدا، لكنه استطاع أن يستقطب أنظار العالم من خلال التنظيم المحكم وتنوع فقراته وهي أمور مهمة لإعادة الاعتبار إلى منطقة كادت أن تكون من المنسيات، حيث تنعدم فيها عديد مؤسسات الدولة التي تعد شريان الحياة اليومية للمواطن، فيتكبد المعاناة ويسافر الكيلومترات من أجل معاملة بسيطة، والحال أن الحكومة مطالبة بتيسير الخدمات الأساسية للمواطنين حتى لا تتسبب في إرهاقهم وتذمّرهم على المدى البعيد.
كما أن الجزيرة مقبلة على فعالية الحج اليهودي إلى معبد “الغريبة” وهي فعالية كثيرا ما تثير الرأي العام الجربي من حيث تشديد الإجراءات الأمنية على مداخل الجزيرة ومخارجها ويتسبب ذلك في مضايقات كبيرة لأهاليها الذين تعودوا على حرية الحركة والتنقل في كامل أيام السنة ما عدا شهر ماي الذي تتحول فيه الجزيرة إلى ثكنة عسكرية من أجل حماية اليهود الزائرين إلى هذا المعبد القديم التي أخذت حيزا كبيرا في وسائل الإعلام العالمية.
احتضان جزيرة جربة للقمة الفرنكوفونية حافز لإحلالها مكانتها
وحيث قيل: رُب ضارة نافعة فقد يكون ذلك فرصة لأهالي الجزيرة للتعبير عن معاناتهم اليومية عندما تستقبل تونس هذه الوفود من أوروبا و أمريكا و حتى من إسرائيل ومن بقاع العالم الأخرى حيث توجد جاليات يهودية من أصل تونسي أو مغاربي لإحياء طقوسهم الدينية، بينما يجد الأهالي أنفسهم في ضيق لما يحصل نظرا لأن الاهتمام الأكبر سينصب على الزائرين دون المواطنين الذين يعيشون في المنطقة على مدار الساعة ولا يحصلون على الخدمات الكاملة بيسر ولا يجدون أحيانا حتى المواد الأساسية كالغذاء والدواء.
ثم إن استضافة جزيرة جربة القمة الفرنكوفونية أواخر العام الحالي قد يكون حافزا آخر للتعبير عن جملة من المقترحات التي يمكن أن تقدمها الجهات المختصة بالجزيرة للمسؤولين التونسيين الذين سيتوافدون تباعا على الجزيرة لمراقبة الأشغال والتجهيزات والتحضيرات لعقد هذه القمة على أرض تشكو كثيرا من القمامة وقلة الخدمات ومنغصات النقل لا سيما “البطاح” وتنعدم فيها التنمية ويقل فيها التشغيل وهي موضوعات أساسية ينبغي أن يركز عليها رؤساء البلديات الثلاث ويطالبون بها بكل جرأة ودون مجاملة أو مواربة لأن جزيرة جربة لم تعد تتحمل هذه المشاكل التي أثقلت كاهلها وجعلتها من المناطق الهامشية التي لا ترقى أن تكون مثل الولايات الأخرى.
لكن الجربيين وإن هدأوا خلال الفترة الماضية مراعاة لما حدث من انتكاسة صحية جعلت البلاد كلها تسابق الزمن من أجل القضاء على فيروس كوفيد 19 من خلال تضاعف حملات التلقيح بالبلاد، إلا أنهم سيُثيرون هذه الموضوعات في كل فعالية ومتى تُسنح لهم الفرصة أن يتحدثوا، وسيعبرون عن امتعاضهم الشديد من مماطلة المسؤولين ولا مبالاتهم وعدم متابعتهم لأحوال المواطنين في جزيرة جربة وعدم قدرتهم وجرأتهم على التكفل بإنجازها أو إنجاز بعضها على الأقل في ظل هذه الظروف الاستثنائية.
ومهما يحصل هنا وهناك، ستظل جزيرة جربة منارة وقِبلة السائحين من كل مكان لما تتميز به من هواء عليل واستقرار وهدوء، والعيش مع الطبيعة وفي الطبيعة، وكرم الضيافة والاستمتاع بشواطئها الخلابة وغاباتها الوارفة ومساجدها التاريخية وآثارها وتراثها الخالد عبر الزمن، إنها فعلا جزيرة الأحلام لمن يحلم بالسكينة والطمأنينة ويحلم بالهدوء والأمن والأمان.
محلل سياسي.
شارك رأيك