الرئيس قيس سعيد لا ينظر بعين الرضا لنشاط الحزب الدستوري الحر و يرى في رئيسته السيدة عبير موسي أحد ألد أعدائه و لذلك امتنع عن مؤازرتها عندما تم الاعتداء عليها بالعنف في مجلس النواب و سحب عنها الحماية الأمنية ثم انتقل إلى تكليف وزير داخلية توفيق شرف الدين بمهمة منعها من القيام بالتظاهر السلمي مقيما الدليل على أنه قد انتقل إلى مرحلة غامضة جديدة ربما ستؤدي بالبلاد الى ما لا يحمد عقباه.
بقلم أحمد الحباسي
لا شك أن السيدة عبير موسي رئيسة الحزب الدستوري الحر قد أصبحت منذ فترة تمثل رقما صعبا في الخريطة و المشهد السياسي التونسي و ذلك بشهادة أعدائها قبل أصدقائها و محبّيها و بالمقابل لا يزال الرئيس قيس سعيد يتأرجح في استطلاعات الرأي بين الصعود و الهبوط كما أنه من الواضح أنه يسعى لتنفيذ مشروع سياسي ربما يعتقد أنه يمثل الحل الأنسب للبلاد في السنوات القادمة مع أن الجميع يقرون بأن الفشل سيداهم هذا الحلم ليجعله مجرد أطلال و ربما كوابيس .
لا بد من الإقرار أيضا و بمنتهى الحياد و الموضوعية أن الرئيس و رغم مرور فترة رئاسية كافية لا يملك مشروعا للحكم و غاية ما هناك هي مجرد نوايا طيبة و أفكار مبتورة و شخابيط لخابيط من الشعارات البائسة التي فقدت بريقها من فرط الاستعمال. مع ذلك هناك من يسعى إلى إحيائها بطرق مختلفة مثل الناشطين السياسيين رياض جراد و أحمد شفتر و رضا لينين.
تفرد بالحكم و تنفيذ أجندة غير واضحة المعالم
من الواضح أن رئيسة الحزب الدستوري الحر قد كانت من أول الذين شككوا في نوايا الرئيس و اتهمته بالتفرد بالحكم و تنفيذ أجندة غير واضحة المعالم إضافة إلى هيمنته المطلقة على القضاء و محاولة تسيسه لخدمة أغراضه و نزواته الشخصية.
من الواضح أيضا و استنادا لاستطلاعات الرأي أن السيدة عبير موسى قد استفادت كثيرا بفضل ذكائها و نشاطها و إصرارها من فشل بقية الأحزاب الآيلة للسقوط التي كانت تسير في موكب حركة النهضة مثل نداء تونس و قلب تونس و تحيا تونس و التيار الديمقراطي و بقية الحزيبات الميكروسكوبية الأخرى التي تعيش على تبرعات السفارات و وكالات المخابرات الأجنبية.
من المؤكد أيضا أن الأيام و الأحداث المتتالية قد أعطت الحق للرؤية السياسية الإستراتيجية الصائبة لهذه السيدة التي حاولت و أصرت على الرقي بالخطاب السياسي إلى مرتبة الصراع على الأفكار لا التدني به إلى مستويات رديئة كما تفعل حركة النهضة و ائتلاف الكرامة و بعض المؤلفة قلوبهم معهما.
يؤكد الكثيرون اليوم أن طبائع السلطة قد فرضت نفسها على الأستاذ الجامعي الذي انتخبه التونسيون في ظروف معينة كان فيها هامش الاختيار محدودا جدا و لعل الرئيس اليوم يميل شيئا فشيئا عن قصد أو دونه إلى فرض نفسه كحاكم متفرد بالرأي و السلطة و هذا الشعور الخطير يجعله لا يفرق بين الغث و السمين و بين الصالح و الطالح و بين الفاسد و القابل للإصلاح.
لقد أصرّ الرئيس على وضع الجميع في نفس السلة و تعامل مع بعض الشخوص الهامشية بكثير من الانتقائية و اختار دون أن يعلن ذلك لأسباب لا تزال مجهولة الدخول في معركة عض أصابع و كسر عظام و تهميش مع الحزب الدستوري الحر. ربما لا تزال هذه المعركة الساخنة في بدايتها و لكن من المؤكد أن هذا الصراع المختلق من الرئيس لكسر شوكة السيدة عبير موسى و حزبها و ما تمثله من مشروع حكم واضح المعالم تم إنجازه بواسطة خيرة أهل الاختصاص في تونس و الإعلان عنه فى مناسبات عدة هو صراع يضر بكيان الدولة لأنه يضع موقع الرئاسة بما تمثله من ثقل فى مواجهة جزء من الشعب.
الرؤساء و مهما كانت براعتهم لا يصنعون الثورات
“نحن بصدد القيام بثورة فريدة لم تشهدها تونس منذ الاستقلال”، هذا هو بالجملة و التفصيل مشروع الرئيس و كما تلاحظون الأمر لا يتعدى مجرد كلام فارغ لأن الرؤساء و مهما كانت براعتهم لا يصنعون الثورات بل الشعوب هي من تصنعها و لذلك بدأت الأصوات تتعالى تباعا منادية بإيقاف نزيف إضاعة وقت البلاد المنهوبة و المنهكة في تطبيق أفكار و شعارات بيزنطية فاشلة.
بطبيعة الحال لا تترك السيدة عبير موسى أي فرصة تمر دون أن تكشف هوس الرئيس بالسلطة و فراغ جعبته السياسية و بكونه قد بات معزولا عن الواقع مما جعل المقربين منه و آخرهم رئيسة ديوانه السيدة نادية عكاشة تفرّ من القصر لتنشر في مكالمات هاتفية مسربة الغسيل الوسخ للمطبخ الرئاسي.
لا بد أيضا من الإشارة إلى أن هناك من يسعى سرا إلى تكوين و بعث ما يسمى “بحزب الرئيس” وهو الحزب الذي انتقدت السيدة عبير موسى وجوده الغامض و تصنيفه من طرف مؤسسات استطلاع الرأي كأول حزب يحتل ثقة التونسيين.
“لا صلح، لا تفاوض، لا استسلام “، هذا هو أحد أهم عناصر المشروع الرئاسي و هذا الشعار البائس يحيلنا على مؤتمر القمة العربي بالخرطوم سنة 1967 حين تفتقت قريحة بعض زعماء الهزيمة العرب على إطلاقه في وجه الكيان الصهيوني مما دفع ببعض المتابعين و الظرفاء للقول و التساؤل هل أن رئيس الدولة قد وضع معارضيه و أهمهم الحزب الدستوري الحر في خانة الأعداء متجاهلا أنه رئيس كل التونسيين دون استثناء.
من المؤكد أن الرئيس لا ينظر بعين الرضا لنشاط الحزب الدستوري الحر و يرى في رئيسته أحد ألد أعدائه و لذلك امتنع عن مؤازرتها عندما تم الاعتداء عليها بالعنف في مجلس النواب و سحب عنها الحماية الأمنية ثم انتقل إلى تكليف وزير داخلية توفيق شرف الدين بمهمة منعها من القيام بالتظاهر و آخر ذلك منع مظاهرة الحزب يوم 15 ماي القادم مما يشكل ضربا للحق الدستوري في حرية التعبير و التظاهر السلمي و يقيم الدليل على أن الرئيس قد انتقل إلى مرحلة غامضة جديدة ربما ستؤدي بالبلاد الى ما لا يحمد عقباه.
كاتب و ناشط سياسي.
شارك رأيك