بقلم: عمر الغدامسي
ببعض الألفاظ من معاني الحنين ومكنونات وجدانية تم في عهد الوزير السابق للثقافة السيد المهدي مبروك، إقرار عودة مجلة «فنون» للصدور، بعد عقود من الغياب تغيرت فيها الرؤى وتراكمت ضمنها التجارب في الخارج قبل الداخل حول الإعلام الثقافي ووظائفه وإتجاهاته كما توسعت خلالها النظرة و تشابكت حول الفنون وأساليبها وتياراتها وما يحيط بها من مفاهيم ومباحث جماعية، هكذا بضربة واحدة عادت مجلة «فنون» دون دراسة عن الجدوى والأهداف.. عادت فقط لأنه كان يا مكان هناك مجلة تحمل إسم «فنون» تصدرها وزارة الثقافة …
هكذا الأمور عندنا إرادة العودة أقوى من ارادة التقدم… عادت المجلة وكما قيل لنا في ثوب جديد براق وبكمّ أزيد من الصفحات الملونة ذات السمك الرفيع ، وذلك بعد أن كانت المجلة تصدرفي بداياتها بصفحات متواضعة وبطباعة فقيرة… عادت هكذا وبمزيد من القرارات المرتجلة والتي كان منها اصدارها كل ثلاثية… لماذا؟! ووفق أي توجه أو رؤيا؟! لا أحد يمتلك الاجابة.. من الواضح أن هناك دوما من يحسن التفكير والتبرير في الخفاء ويمتلك بديهة أخذ القرار في مثل هذه الشؤون الحكيمة.
صدر العدد الأول من المجلة وكان موضوعه فنون الغرافيتي وتلك التعبيرات الفنية الشارعية التي ظهرت بعد منعطف 14 جانفي 2011.. البعض تعاطى مع هذا العدد كإضافة تسجيلية ونقدية لما عاشته تونس آنذاك من فورة فنية لم يكن لنا عهد بها ، أما أهل الثقافة والفنون والمطلعون على مختلف الأطروحات والمواقف فإنّ الأمر لم يعد بالنسبة إليهم إلا محاولة لذرّ الرماد على العيون. فنفس تلك الأساليب الفنية الشارعية التي احتفت بها المجلة نقدا وبحثا وإبرازا كانت في تلك الفترة متهمة ومهددة وبعضها محل تتبع قضائي رسمي اي من طرف حكومة الترويكا انذاك .طبها لا أحد كان يتصور آنذاك أن وزارة الثقافة معزولة عن بقية الوزارات التي كانت تشكل آنذاك تلك الحكومة و توجهاتها الاديوبوجية و العقائدية ، فتصريحات وزير الثقافة آنذاك كانت جلية وواضحة.. خاصة إذا استحضرنا غزوة العبدلية اما إ مدير مجلة «الفنون» العائدة فقد كان وقتها هو مستشار وزير الثقافة في قطاع الفنون التشكيلية وهو الذي كان، على خلفية غزوة العبدلية صاحب التنظيرات والآراء التي كانت ضد الفنانين العارضين انذاك في العبدلية وما تعرضوا اليه من تهديدات وتكسير لأعمالهم وهي اراء وتنظيرات صدرت في مقالين بجريدة الصباح في جوان 2012 وكذلك ضمن منابر تلفزية اهتمت بغزوة العبدلية، نعم انها الحقيقة، من برر جرائم السلفيين والإرهابيين في العبدلية هو نفسه الذي يدير المجلة والي يوم الناس هذا. هو نفس الشخص المثقف الفنان و المستشار الذي جلس في قناة نسمة للحديث عن غزوة العبدلية و ما تسببته في البلاد من حرائق و موجات عنف ليقول للتونسيين و بصريح العبارة ” أحنا لسنا في نيويورك و لسنا في باريس ..احنا في تونس عندنا مقومات عربية اسلامية ..الحرية موش وقتها ”
بعد العدد الاول صدر العدد الثاني ثم الثالث من المجلة وتبدل وزراء الثقافة بتبدل الحكومات ومع ذلك لا تزال مجلة «فنون» تصدر بنفس المسؤولين الذين أجرموا ضد الفن وضد الحريات في تونس.
البشاعة لم تقف عند هذا الحد، بل إنها شملت أيضا مضامين المجلة، فنحن إذ لا ننكر قيمة بعض من يكتبون فيها أوحتي بعض من يساهمون في ندواتها المغلقة والسرية فإن المجلة لم تعرف تنوعا في كتّابها، فهم نفس الوجوه المتكررة في أعدادها وهم نفس الوجوه الذين يكررون نفس الآراء والتحاليل من ندوة الى اخرى.. أين الشباب؟! اين الافكار المختلفة والسجالية؟! أين النظرة المغايرة؟! أين الجملة المختلفة في إيقاعها وفكرها؟! لا شيء ، حتى أن الواحد منا أصبح يعتقد أنه أمام مجلة تتبع إحدى الملل والنحل السرية والتي تمارس طقوسها بلغة غريبة منقرضة.
وهذا ما يفسر درجة عزلة المجلة تجاه ما تعيشه الساحة الفنية في تونس من تجارب واتجاهات فنية في مختلف مجالات الإبداع. لقد كانت فنون الغرافيتي وفنون الشارع في العدد الأول الحل الظاهر والمعلن والمتاح للجميع لإثبات الإنماء والتفاعل مع الواقع الحي الذي عاشته تونس في مجالات الفنون. أما بعدها وعندما نصبح مطالبين بمواضيع وملفات إضافية فإن الأمر مرتبط بدرجة معرفتنا ودرايتنا بالإشكاليات والقضايا والتفاصيل التي تعيشها الحياة الإبداعية بنبض حي. وهذا أمر وللأسف غير متاح للجميع بما في ذلك من يمارسون الكتابة والنقد كإجراء وقائي فوقي في مكاتب مغلقة وبذهنيات تميل إلى الوصاية أكثر من محاولة الفهم والتفكيك… ذهنيات سبق أن أكدت بمواقفها انتماءها إلى عهد الثقافة الأحادية والفن الرسمي، سواء تحت مسمى مدني أو ديني.
منذ أسابيع انتظمت بمدينة الحمامات وتحديدا بمركزها الثقافي الدولي جلسة قيل أنها دراسية حول مجلة «فنون» وقد حضرها البعض من فريقها التحريري وكل ما وصلنا من هذه الجلسة عنوانها الذي يقول «يوم دراسي لتنمية نظام عمل مجلة فنون» ورغم ما تعنيه العناوين عادة من تكثيف واختزال قد يحيط بماهية المضمون، إلا أن العنوان المذكور لليوم الدراسي بدا لنا غريبا وعجيبا وكأنه عنوان يوم دراسي لمؤسسة أو شركة اقتصادية، تغييب كامل لمناقشة مضامين المجلة ودورها ووظائفها ومنهجيتها ليتم تلخيص حاجة المجلة في ما هو نظام عمل… يقال ونؤمن بأن اللغة تعرّي وتكشف وهذا ما يبّينه اختيار عنوان اليوم الدراسي .. حقا إنها مجرد شركة.
لماذا مجلة «فنون»? ما الجدوى منها? ما فائدتها بالنسبة إلى المشهد الإبداعي في تونس? ما هو حضورها وإشعاعها في الساحة? هذه أسئلة نراها عقلانية ووجيهة على الأقل من زاوية أنها يمكن أن تشرع لنا الباب لبحث الهوية الموجودة والأخرى المنشودة لهذه المجلة… أسئلة تساعد على الانقاذ وتصحيح الوجهة إن أمكن أو ايقاف الخطإ لكي لا يستمر وتوظيف الموارد المالية المخصصة للمجلة لإصدارات دورية تخص الفنون وتجارب الفنانين وخاصة منهم الشباب وكم يحتاجون لذلك لتمتين حضورهم في الساحة الدولية.
ع.غ
شارك رأيك