حان الوقت للرئيس قيس سعيد أن يدرك أن العبرة في السياسة ليست بالخطابات الرنانة و الشعارات البراقة بل في التواصل مع الشعب و مصارحته أثناء الأزمات و الأوقات العصيبة بل لعل الأهم من كل ذلك هو تحقيق الغايات حسب ما هو مستطاع حتى يشعر الناس بالتغيير الإيجابي في حياتهم اليومية حيث لا ينفع بريق الكلمات! (الرئيس سعيد يلتقي أعضاء اللجنة الوطنية للصلح الجزائي).
بقلم ياسين فرحاتي
تحكم الرئيس التونسي قيس سعيد عقيدتان سياسيان أولهما نظرية المؤامرة و يبدو أنه ينام و يصحى عليها من خلال الزج بمعارضيه في الداخل و الخارج في كل ممارساته السياسية و شعارا يرفعه في كل خطاب سواء جهارا أو همسا و هذا يكاد يكون صراطا منذ توليه كرسي الرئاسة منذ ثلاث سنوات، على الأقل رغم استدعائه للموروث الديني الإسلامي.
و العقيدة الثانية هي الشعبوية وهي ليس بدعة ابدتعها هو بل حتى من سبقوه كانوا يشتغلون عليها وهي سلوك سياسي معروف حتى في أعرق الديموقراطيات و يمكن أن نذكر مثالا على ذلك سياسة الرئيس الأمريكي الأسبق دونالد ترامب.
إحداث ديناميكية و فتح آفاق جديدة
و في غمرة الاستعدادات الحثيثة المتسارعة من يوم لآخر للانتخابات التشريعية انطلق الرئيس منذ أيام قليلة في جولة قصيرة ليوم إلى مهد الثورة مدينة سيدي بوزيد و منها أعطى إشارة البدء في تشييد جزء من الطريق السيارة تونس – جلمة طوله 7 كيلومتر وهو مشروع يعود لعقد أو أكثر بقليل و بالمناسبة فمعتمدية جلمة (و كاتب هذا المقال هو أصيل هذه المدينة الصغيرة) معروفة جدا بالتجارة و الفلاحة.
و أمام الضغوط المتزايدة على الرئيس قيس سعيد من قبل أطراف عديدة على غرار أحزاب المعارضة و ما يعرف بجبهة الخلاص والتي خفت نشاطها خلال الأشهر القليلة الماضية بقيت حركة النهضة المكون الرئيسي فيها على نشاطها متفاعلة مع الأحداث في البلاد و مع آراء الشارع التونسي و ترى نفسها البديل بينما اتحاد الشغل يلقي باللائمة على المنظومة الحاكمة و يدعو إلى ضخ دماء جديدة باستبدال وزراء مكان آخرين داخل الطاقم الوزاري الحالي لحكومة نجلاء بودن لإحداث ديناميكية و فتح آفاق جديدة أمام تعطل ماكينة الدولة في ظل ظرف اقتصادي عسير من مديونية للخارج و عجز للميزانية و تضخم و بطالة و حالة من العطالة إجمالا…
و لكن يرى بعض الخبراء في القمة العربية الصينية التي ستنعقد في الرياض هذه الأيام و سيشارك فيها قيس سعيد فرصة مهدورة لتفادي العجز التجاري و انتقادات متواصلة من قبل منظمات المجتمع المدني و مراكز الدراسات لمسار العملية السياسية التي انقسموا فيها إلى مطالب بتأجيل موعد الانتخابات و منادي معدل بطريقة أفضل لاختيار الأشخاص حيث أن جمع 400 تزكية أمر فتح الباب على عديد التأويلات حيث يرى فيه كثيرون بابا للرشوة و لانتخاب أشخاص غير أكفاء و فريق أخير يرى في العملية باطلة أصلا كونها أتت إثر انقلاب على الدستور اعتمادا على الفصل 80 الذي أوله الرئيس و بعض أساتذة القانون الدستوري بما سمي بالخطر الداهم.
العبرة ليست بالخطابات الرنانة و الشعارات البراقة
نوايا الرئيس لست أنا من يقدر على فك شفرتها لكن ما هو معروف عنه هو طهارة اليد إلى حد لكن هل أن أفعاله بريئة سواء قصد أم لم يقصد فعل ذلك فشعبيته في تدني بعدما سئم الشعب الزيادات في كل أسبوع و في كل شهر و لست أبالغ في ذلك أنها تتعلق بأشياء تمس قوت المواطن اليومية إذا العبرة في السياسة ليست بالخطابات الرنانة و الشعارات البراقة. صحيح ضرورة التواصل و مصارحة الشعب أثناء الأزمات و الأوقات العصيبة بل الأهم و المهم هو تحقيق الغايات حسب ما هو مستطاع لكن ليس صفر رضاء عام فهذا وصمة عار في الحياة السياسية !
ليس المهم أن يعوض سياسي آخر مهما كانت الطريقة و كأننا في لعبة شطرنج فكم رئيسا و رئيس حكومة عرفنا بعد الثورات و لكن لا حياة لمن تنادي.
معركة الأستاذ سعيد الحقيقية هي مع رجال الأعمال الفاسدين و المتهربين من الضرائب و المحتكرين أي الحيتان الكبيرة و ليس مع المساكين و الفقراء و المهمشين و تعد خطوة تشكيل لجنة وطنية للصلح الجزائي بادرة متأخرة جدا و تنم عن تردد كبير و ربما مخاوف و هواجس لدى الرئيس و قد تكون مجرد تكتيك لا غير تزامنا مع أسبوع قبل موعد الانتخابات المقررة يوم 17 ديسمبر، و التي لا نرى حماسا أو استبشارا بها من المواطن التونسي، إذ لا بد و أن يكون ثمة أجل معين بهدف حسن إدارة هذا الملف الصعب جدا جدا كما يرى أغلب التونسيين.
كاتب من تونس.
شارك رأيك