بأحكامه المتناقضة التي لا تخضع لأي منطق مقبول يؤكد القضاء في تونس أنه لن تقوم للديمقراطية قائمة و أن هذا الجسم يلزمه كثير من عمليات شفط الدهون العالقة به و التي جعلته مجرد إسم بدون مسمى و هيكلا عظميا يثير الرثاء تنهشه ضباع السياسة.
بقلم أحمد الحباسي
بعد طول انتظار و أخذ و رد و نسيج من الإشاعات المغرضة من هنا و هناك و كثير من التسريبات المفبركة في الغرف المظلمة صرح الدائرة الجناحية بالمحكمة العسكرية الدائمة بأحكامها في القضية المعروفة “بغزوة المطار” و التي أتهم فيها بعض النواب المجمدين فيما يسمى بائتلاف الكرامة و هو فصيل مشتق من حركة النهضة يمارس العنف و البلطجة و كثير من الممارسات المشبوهة التي لم يتجرأ القضاء على فتح ملفاتها لحد الآن.
لقد صدرت أحكام محكمة الاستئناف هذه المرة متناسبة بعض الشيء مع الأحكام المقررة بنصوص الإحالة و كشفت فيما كشفت أن القضاء فى مجمله قد بدأ يشقّ طريقه بخطى بطيئة لكن واثقة نحو موقعه كرافد مهم و أساسي من روافد المسار الديمقراطي الصعب و كأهم مطلب من المطالب الشعبية.
سنة و شهرين مع النفاذ للنائب سيف الدين مخلوف، 11 شهرا سجنا مع النفاذ و 5 سنوات حرمان من الممارسة المهنية للأستاذ مهدي زغروبة، 7 أشهر لنضال سعودي، 5 أشهر مع النفاذ للناشط ماهر زيد، 5 أشهر للنائب محمد العفاس و عدم سماع الدعوى للنائب المجمد عبد اللطيف العلوي.
قضاء التعليمات و قضاء التردد
في هذا الإطار لا يجب أن نغفل ما نطقت به الدائرة الجناحية بالمحكمة الابتدائية العسكرية و التي تراوحت أحكامها بين و بين و هي أحكام رمزية و مخففة أثارت في حينها غضب و استنكار الشارع التونسي بمختلف أطيافه السياسية ما عدى المنتسبين لاتجاه الإسلام السياسي و بالذات هؤلاء الذين يشرعون للعنف و من بينهم محامون تولوا مهمة الدفاع عن المتهمين لدى محكمتي الدرجتين.
لقد تراوحت تلك الأحكام بين خمسة أشهر و ستة أشهر و لم تكن مشمولة أبدا بالنفاذ العاجل و لا بالحرمان من ممارسة المحاماة و بالتالي فقد كانت هناك فجوة عميقة جدا بين العقوبات الواردة بنص الإحالة و بين مضمون الأحكام و التي رأى فيها المتابعون أنها تعبير فاضح و ملموس عن عمق الهوة السحيقة التي سقط فيها بعض قضاء التعليمات و بعض القضاة الذين لا يزالون تحت وطأة التردد لأسباب يطول شرحها.
لقد كانت “غزوة المطار” مدبرة و مقصودة من قيادة ائتلاف الكرامة لضرب هيبة الدولة في مقتل و إظهار تلك القيادة المشبوهة في مظهر الفاتق الناطق و أنه لم تعد هناك دولة و قضاء و أمن و أمان و سيادة و أن حركة النهضة الإرهابية قد بدأت في بناء دولة الخلافة التي بشّر بها السيد حمادي الجبالى أحد قادة التنظيم السري.
لقد فرّط القضاء مرة أخرى في فرصة ذهبية أخرى لانتشال هيبته التي طالتها كثير من الأوحال نتيجة سقوطه في براثن قيادة حركة النهضة و أذيالها من خدم و حشم السفارات الأجنبية و بيّنت تلك الأحكام الابتدائية المخجلة أنه بمثل هذا القضاء الفاشل و المشبوه لن تقوم للديمقراطية قائمة في تونس و أن هذا الجسم يلزمه كثير من عمليات شفط الدهون العالقة به و التي جعلته مجرد إسم بدون مسمى و هيكلا عظميا يثير الرثاء تنهشه ضباع حركة الإخوان الدموية.
قضاء الشعب لا قضاء المكاييل المختلفة
ربما لم تكن الأحكام الاستئنافية الصادرة تشفى الغليل و تطغى عليها صفة الحسابات السياسية لكن مع ذلك يمكن اعتبارها مؤشرا صحيا على تعافي القضاء و رجوعه للجادة ليكون قضاء الشعب لا قضاء المكاييل المختلفة و التعليمات و خدمة الأجندات السياسية القذرة.
بطبيعة الحال تأتى هذه الأحكام النافذة في سياق معين خاصة بعد أن فتحت كل الملفات الحساسة على مستوى التحريات و الأبحاث و باتت قيادة النهضة زبونا يوميا لدى فرق الأبحاث و دوائر التحقيق المختلفة و بات هناك أمل في صدور أحكام قضائية رادعة تؤكد أن محاسبة هؤلاء الخونة و القتلة و العملاء قد باتت أثرا ملموسا بعد سنوات قضائية عجاف سالت فيها دماء الشهداء و بقى فيها أهل الدم ينتظرون القصاص من القتلة.
لعله من المؤسف أن نتعرض لموقف عمادة المحامين و مواقف بعض الساسة الفاشلين من أصحاب الصفر فاصل مثل أحمد نجيب و عصام الشابى و حمة الهمامى و سلالة ما يسمى بدكاكين حقوق الإنسان التي تمولهم بعض المنظمات الأمريكية المشبوهة على غرار NDI.
إن استنكار عمادة المحامين صدور الأحكام ضد من وصفتهم “بالمحامين” محلاة بالنفاذ العاجل هو موقف منتظر تعودنا عليه منذ فترة ليست بالقصيرة فبين عميد سابق يقف مع انقلاب 25 جويلية 2021 و ما تبعه من خرق للدستور و ما نتج عن ذلك من استحواذ الرئيس المنتخب على كل الصلاحيات و بين موقف عميد حالي لا يزال البعض يبحث عن بطاقة “سوابقه” ليفاجئوا بكونه قد وضع العمادة خادما مطيعا لحركة النهضة و زبانيتها في تعبير واضح و صريح بأن العمادة لم تعد ملكا لعموم المحامين بل ملكا و مزرعة خاصة لبعض السياسيين و اللوبيات المشبوهة.
ليس مفاجئا أيضا أن يستنسخ بيان العمادة حرفيا نفس بيانات حركة النهضة و ائتلاف الكرامة و ما يسمى نفاقا بجبهة الخلاص بما يؤكد مرة أخرى أن البعض قد باع ضميره للشيطان أو لشيطان من نوع الإنس يقود حركة ارهابية اسمها حركة النهضة.
كاتب و ناشط سياسي.
شارك رأيك