الكاتب يشرح موقفه من الوضع العام في تونس و من الرهانات السياسية المطروحة و يكشف الأسباب التي تدفعه إلى المشاركة في الدور الثاني من الانتخابات التشريعية نهاية هذا الأسبوع بالرغم من كل الاحترازات المعبر عنها من طرف عديد الأطراف.
بقلم فتحي الهمامي
يدور يوم 29 جانفي 2023 في تونس الدور الثاني من انتخابات أعضاء مجلس نواب الشعب، تحت سقف دستور 25 جويلية 2022، وعلى أساس نظام انتخابي جديد أساسه الاقتراع على الأفراد.
ويترشح إلى هذا الدور حمادي ومحمود في دائرتين مختلفتين في ربوع هذا الوطن، بعد أن أحرزا على المرتبة الأولى في الدور الأول. والمترشحان اللذان ينافسان على مقعدين في المجلس القادم رجلان وطنيان، تقدميان، مناضلان نقابيان، من أولائك الذين لا يبحثون ولو عن القليل من الادَّعَاء أو التَكَلَّفَ، بل لم ينالا من الانغماس من زمان في قضايا الشأن العام وتشعباته، سوى المَشَقَّة والأَلَم ولا ثالث لهما.
محمود وحمادي وبحكم التقائي معهما في تجارب سياسية متفرقة، وفي عهدين مختلفين قبل الثورة، لم أعرف عنهما غير الالتزام بقضايا الحق، والْمُنَافَحَة عَنْ الحُقُوقِ… فهما لم يخشيا أبدا قول رأيهما، وَلَم يَخافا في ذلك لَوْمَةَ لَائِمٍ، ولا استبداد مستبد.
وقد اختار هذان المواطنان، وغيرهما ممن يحملون هموم هذا الوطن دون تبجح أو رياء، ومن موقعهما المتواضع، الإسهام في مسار سياسي كان افتتح يوم 25 جويلية 2021. ورغم تعقيداته ومشاكله، ورغم الصعوبات، ورغم مناوئة المناوئين، وتشكيك المشككين، إلا أنهما لم ينقادا إلى الاستسلام واندفعا يعطيانه من جهدهما وبَصِيرَتهما لعله يتقدم ويتَطوّر.
ولكن لقائل أن يقول ماذا سيغير إجراء هذا الموعد السياسي – مثلا- من ظروف الضنك والضيق الاقتصاديين للبلاد، ومن أوضاع الفئات المعسرة، ومن نسبة البطالة؟ وكيف سيكون وجه بلادنا في اليوم الموالي لإنجاز هذا الاستحقاق؟
وللإجابة عن هذه الأسئلة، التي لا اراها تتطلب لا خِبْرَة ولا مَعْرِفَة أهل الاختصاص، أقول بصفة جازمة أن الحال لن يتغير جذريا في تونس، وأنها ستكون هي نفسها بعد الانتخابات، بنفس الإشكالات الكبرى التي تؤرقها: التنمية، التوزيع العادل للثروة، الحداثة، الحرية، دولة القانون، الديمقراطية بأشمل صفاتها… فهي مُتَوَطِّنَة في مشاعرنا ومشاريعنا، وهي محل صراع ونزاع، بدءا بمعانيها إلى كيفيات تجسيمها.
ولكن في نفس الوقت أرى أن لهذه الانتخابات أهمية، خصوصا لما نضع هذا الموعد في الإطار العام ألا وهو مسار 25 جويلية، على خلاف المكتفين بالتركيز فقط على شروط إجرائها على أهميتها، فهو يعد خطوة ولو صغيرة نحو القطع مع المنظومة السابقة، والتوقي من خطر الانتكاس إلى عهد 24 جويلية، وهو لبنة ولو صغيرة نحو بناء مؤسسات الدولة ولو بصيغة لا إجماع عليها .
ولهذا ما زلت اعتقد أن ما تم يوم 25 جويلية 2021 هو ربح لمعركة ضد منظومة الزبونية السياسية، الذي تمكن من الدولة وجثم على صدرها، و”انقلاب” على تحالف المتاجرين بالمال الفاسد وأمثالهم المتاجرين بالدين، الذي انقض على الثورة وعلى الانتقال الديمقراطي على حد سواء نهشا وقضما… فالصراع ضدهما من أهم عنوانين المرحلة الحالية، لأن تأثيراتهما قائمة وأدواتهما ما زالت فاعلة.
وليس من شك ان مسار 25 جويلية قد شابه نواقص ونقاط ضعف تتعلق في جانب منها بالحوكمة وبالتشاركية وبالحقوق والحريات في جانب آخر، وهو ما أثر على توهجه والتحشد حوله، التي من مظاهره ضعف المشاركة في الدور الأول للانتخابات، إلا أنني أعتقد انه لم يستنفد كل طاقاته في ‘مكانية التغيير نحو الإيجاب، وفي رفع بعض الرهانات، وبالتالي على الوطنيين دعمه بالعمل والنقد في آن.
وبالتالي ومن جهتي سأكون يوم 29 جانفي القادم في الموعد للإدلاء بصوتي في الإنتخابات.
فتحي الهمامي
شارك رأيك