يتزامن تاريخ اليوم الخميس 26 جانفي 2023، مع مرور 45 سنة على أحداث ما يُعرف في تونس بالخميس الأسود 26 جانفي 1978، وبهذه المناسبة نشر الاتحاد العام التونسي للشغل، مقالا قديما بقلم المؤرخ التونسي الدكتور عبد اللطيف الحنّاشي ،استاذ التاريخ السياسي المعاصر والراهن، عاد فيه على هذه الأحداث.
وتناول المقال المنشور تحت عنوان “ملاحظة منهجية ومعرفية حول احداث 26 جانفي 1978” ، الأسباب التي دفعت إلى هذا الحدث الأليم تداعياته وانعكاساته في اول مواجهة دامية بين منظمة وطنية (الاتحاد العام التونسي للشغل) والسلطة الحاكمة في ذلك الوقت (نظام الرئيس الأسبق الحبيب بورقيبة).
وفيما يلي نص المقال الذي نشرته المنظمة الشغيلة على صفحتها الرسمية بموقع “فيس بوك”:
أحداث 26 جانفي 1978: (من مقال قديم)
ملاحظة منهجية ومعرفية حول احداث 26 جانفي 1978 :
رغم أهمية ما كتب عن أحداث 26 جانفي 1978 و على أهمية وطرافة شهادات ومذكرات الفاعلين من مسؤولين سياسيين ومناضلين نقابيين فإننا بحاجة لأرشيفات 4 ،منها 3 مؤسسات رسمية وهي مؤسسات رسمية ذات علاقة مباشرة بتلك الأحداث ومختلف مساراتها وهي:وزارة الداخلية ووزارة العدل ووزارة الدفاع… بالإضافة إلى أرشيف الحزب الدستوري الحاكم آنذاك،و جزء من ارشيف الاتحاد العام التونسي للشغل بعلاقة بالاحداث والمحجوز عند وزارة الداخلية ودون ذلك ستظل كل كتابة حول تلك الأحداث غير “مكتملة”ونعتقد أن توفير تلك الأرشيفات للمؤرخين والمهتمين بتلك الأحداث هو من دور “هيئة الحقيقة والكرامة”
تمرّ اليوم يوم 26 جانفي 45 سنة على أحداث الخميس الأسود، الأحداث الدامية التي اهتزت لها البلاد وأودت بحياة العشرات من التونسيين وخلّفت المئات من الجرحى إثر الاصطدامات العنيفة بين النقابيين وجماهير العمّال المتظاهرين من جهة وقوّات البوليس والجيش وميليشيات الحزب الحاكم من جهة أخرى التي كان يقودها في ذلك الوقت الديكتاتور السابق زين العابدين بن علي.
فما هي الأسباب التي دفعت إلى هذا الحدث الأليم ؟وما هي تداعياته وانعكاساته؟
اولا: العوامل غير المباشرة :
مرت البلاد خلال السبعينيات بمرحلتين
I. المرحلة الأولى: تميزت بالازدهار الاقتصادي والانسجام الاجتماعي:
1. على المستوى الاقتصادي :
نتيجة لعدة عوامل منها:
– العامل الطبيعي:الأمطار
– اكتشاف النفط في تونس
– ارتفاع اسعار النفط في العالم بعد حرب اكتوبر 1973
– سياسة الانفتاح الاقتصادي
– اذ ارتكز توجه السبعينات على الحد من تدخل الدولة في المجال الاقتصادي.
– تشجيع المبادرة الخاصة وفتح المجال أمام الرأسمال المحلي (الوطني) والأجنبي للاستثمار، وذلك في إطار قوانين أفريل 1972 وأوت 1974.
– نمو أنشطة المضاربة وتوجيه استثمارات أكبر إلى الأنشطة ذات المردود المرتفع …ادى كل ذلك الى تضاعف رجال الأعمال والباعثين والسماسرة والمضاربين وعمقت الفوارق الاجتماعية” ([8]).
– كما تم إصدار قانون ديسمبر لسنة 1973 المتعلق بخلق صندوق للتنمية واللامركزية الصناعية وما تلا ذلك من إحداث وكالة النهوض بالاستثمارات والوكالة العقارية الصناعية ومركز النهوض بالتصدير…
لقد ساعدت تلك الإحداثات على إنشاء 800 مؤسسة وفرت 100 ألف موطن شغل([15])، مما دعم مسار التخصيص الاقتصادي الذي سيتحول لاحقا إلى سياسة إصلاح هيكلي يتم بموجبها تفريط الدولة في مؤسستها العمومية لفائدة القطاع الخاص.
2. على المستوى الاجتماعي:كما تميزت علاقة الاتحاد بالحكومة بالتفاهم والانسجام :
– السياسة التعاقدية:مارس 1973(تحديد الأجر الأدنى غير الفلاحي،سنّ القوانين الاساسية للغديد من المؤسسات العمومية وشبه العمومية،اقرار نظام التقاعد في القطاع العام…)
– حقّق العمل النّقابي و نضال العمّال بعض المطالب، من ذلك إلغاء الفصل 51 من قانون الشّغل و إقرار الأجر الأدنى المضمون و الزيادة في الأجور و إقرار منحة الشّيخوخة
– تم التوقيع على “العقد الاجتماعي” (البعض يسمّيه الميثاق الاجتماعي نسبة إلى Pacte social) يوم 19 جانفي 1977مع مختلف الأطراف الاجتماعيّة ممثّلة في المكاتب التنفيذيّة لاتّحاد الفلاحة و اتّحاد الصناعة و التجارة و اتّحاد الشّغل الذي هدف إلى إحلال السلم الاجتماعي طيلة المخطط الخماسي الخامس (1977-1981).( )
– ومن علامات الانسجام و في ظلّ سياسة السلم الاجتماعيّة التي رحّبت بها المركزيّة النقابيّة (تصريحات الحبيب عاشور و جولاته في مناطق عديدة داخل البلاد)، رفضت القيادة النقابية الاعتراف ببعض الإضرابات التي كانت تخوضها عديد القطاعات العماليّة و في صلب الوظيفة العموميّة ( من ذلك اعتبار قيادة الاتحاد إضراب أساتذة التعليم الثانوي في جانفي 1975 غير شرعيّ).
– ووقف عاشور إلى جانب النّظام الحاكم في قمعه للتحرّكات الطلابيّة، إذ أعلن أثناء التجمّع “الحاشد” الذي نظّمه الحزب الحاكم وكلّ المنظمات “القوميّة” التي تدور في فلكه يوم 11 فيفري 1972 بقصر الرّياضة بالمنزه: “إننا نقول للرئيس بورقيبة وللشعـب التونسي من جديد، بأنّ البلدان الأجنبية الشيوعـية أو التي تنسب إلى الشيوعـية لها حرس أحمر يسمّى في الصين الحرس الأحمر الماوي وفي روسيا الحرس الأحمر اللينيني وفي كوبا الحرس الأحمر الكوبي، ونحن في تونس الحرس الرّسمي لبورقيبة وللنّظام التونسي، ونقول له إنّ العـمال اليوم معـك أكثر من أيّ وقت مضى حتى تضع حدّا لجرائم أعـداء الشعـب، وتخدم وطننا حتى يكون وطنا عـصريا ينعـم بالحرية والاستقرار”( ).
II. المرحلة الثانية : جذور الأزمة:
1. بين المنظمة والسلطة :
– مثّل عاشور طرفا في الصّراع الحزبي و ساعد على إقصاء الفريق المعادي لبورقيبة-نويرة في مؤتمري الحزب بالمنستير 1971 و 1974، و هذا الالتزام السياسي لعاشور كان لابدّ و أن يثير تحفّظ المدافعين عن استقلاليّة المنظّمة. كما أنّ بعض التصرفات البيروقراطية التي كان يأتيها أمين عام الاتحاد مثل إقصائه لبعض النقابيين كان يثير جدلا في صفوف النقابيين المتمسّكين بمبادئ الدّيمقراطيّة في صلب المنظّمة، و ذلك في ظلّ وضع سياسيّ منعت فيه الأحزاب السياسيّة و أقرّت الرّئاسة مدى الحياة و بدأ التّنافس على خلافة بورقيبة، في حين أصبح الاتّحاد الفضاء الوحيد الذي اتّسع لكلّ الأصوات السياسيّة المعارضة.
أصبحت علاقة التّحالف بين عاشور ونويرة مستهدفة بفعل هذه التطوّرات في صلب المنظّمة النّقابيّة من جهة، حيث بدا أنّ الاتّحاد أصبح يمثّل قوّة سياسيّة معارضة للحزب الحاكم لا تقدر المركزيّة النّقابيّة على السّيطرة عليها، ولكن أيضا بفعل معارضة عاشور لبعض الخيارات المعادية للعمل النقابي مثل إقرار إحياء الشعب المهنية من قبل محمد الصياح داخل المؤسسات الاقتصاديّة منذ 1970.)، بل و أمام هذه التطوّرات في العلاقة مع الطّرف المتشدّد داخل الحزب الحاكم، ستضطرّ القيادة النقابيّة إلى اللّحاق بالنّضالات العمّاليّة المتصاعدة، ذلك أنّ المؤشّرات أصبحت تُثبت لعاشور أنّ نويرة وفريقه قد عقد العزم على ضربه سياسيّا باعتباره منافسا له على كرسيّ الخلافة -حسب اعتقاده- وعلى ضرب الاتّحاد للقضاء على المعارضة المتنامية داخله.
– بدأت تظهر مواقف نقابيّة في صلب هياكل الاتحاد و قواعده معادية للعقد الاجتماعي سرعان ما برز موقفها من القيادة النقابيّة في عريضة أمضاها 600 نقابيّ نشرتها جريدة “لوموند” (Le Monde) بتاريخ 31 مارس 1977 بعد أن صادق المؤتمر 14 (24-27 مارس) للاتحاد بالإجماع على العقد الاجتماعي( ).
2. على المستوى الاجتماعي:
ارتفاع مجحف للأسعار في شهر رمضان من سنة 1977 بالرغم من الاتفاقيات المبرمة بين الحكومة والاتحاد العام التونسي للشغل من ذلك ما يعرف بالعقد الإطاري المشترك والميثاق الاجتماعي الذي تم توقيعه في شهر جانفي من سنة 1977 والذي ينص على الحفاظ على السلم الاجتماعي وعلى مراجعة الأجور كلما ارتفعت الأسعار بنسبة تزيد عن 5 بالمائة
– تفقير وتهميش العديد من الشرائح الاجتماعية بعد أن تدعم ذلك بسياسة عدم التوازن الجهوي، فقد توزعت الاستثمارات الاقتصادية كما يلي :
– تحوز منطقة تونس 39 % من نسبة الاستثمارات و34% من التشغيل
– تحوز مناطق سوسة، المنستير، نابل وبنزرت على 44 بالمائة من الاستثمارات وعلى 52 بالمائة من نسب التشغيل
– تتوزع نسبة 17 بالمائة من الاستثمارات و14 بالمائة من نسب التشغيل على بقية المناطق. لا شك أن هذه السياسة سيكون لها كبير الأثر على مستويات عديدة من ذلك تنامي ظاهرتي البطالة والنزوح وبروز الأحياء القصديرية والأحزمة الحمراء المحيطة بالعاصمة والمدن الكبرى وهي الفضاءات التي شهدت تراكم ظواهر التهميش والمهمشين وتدهورت المقدرة الشرائية وتفاقم الفقر واتسعت الفوارق بين الطبقات والجهات واصبح سوء التصرف في المال العام ظاهرة مثيرة لاتذمر. لقد فشلت خطة التنمية الليبرالية المتبعة منذ مجيء حكومة نويرة ولم يتحقق مشروع “المجتمع الوسط” و”العدالة الاجتماعية”.
– تنامي شريحة ا الأجراء الذين وصل عددهم إلى 500 ألف مع بداية السبعينات بعد كان هذا العدد لا يتجاوز 150 ألف سنة 1956، وهم في الغالب من خرجي الجامعات التونسية او الفرنسية او الذين عرفوا الجامعة دون اكمال دراستهم
– تنامي عدد المنخرطين في الاتّحاد العام التّونسي للشّغل من 40 ألفا سنة 1970 إلى 550 ألفا سنة 1977
– تضاعف الإضرابات في البلاد:
السنة 1970 1975 1976 1977
عدد الاضرابات 150 301 372 452
و قد كانت اغلب هذه الإضرابات غير مؤطرة من قبل الاتحاد ([9]).ومن أهم الإضرابات نذكر إضراب النقل 2 ماي1973 الذي سانده الطلبة وقرروا الإضراب تضامنا مع اعمال النقل..
يبرز هذا النّسق التّصاعدي لعدد الإضرابات العمّاليّة مدى اتّضاح معالم السياسة الاقتصاديّة الجديدة و مخلّفاتها الاجتماعيّة، و أيضا مدى تبلور الوعي الاجتماعي في صفوف طبقة العمّال و تشكيل هذا الوعي بواقع الاضطهاد في شكل مطالب يتمّ إبلاغها بواسطة حركة احتجاجيّة بهدف تحقيقها. و قد كانت هذه التحرّكات الاحتجاجيّة تنمّ أيضا عن ارتقاء نوعيّ في درجة الوعي النّقابي لدى العمّال خاصّة و أنّ ، ثمّ إنّ عديد الإضرابات في عديد القطاعات كانت تُنفّذ بشكل مستقلّ عن المركزيّة النّقابيّة التّي كان أمامها إمّا التنصّل من المسؤوليّة و هو ما حدث في كثير من الحالات أو اللّحاق بهذه التحرّكات و تبنّيها.
III. سياسيا: بروز مناخ سياسي ليبرالي ولو بصفة جنينية سيدعم العمل النقابي الذي بدأ يتنامى بالتوازي مع:
– الانقلاب على الاتحاد العام لطلبة تونس وتم قمع حركة الشباب التلمذي والطالبي بشدة (1972، 1975، 1976…)
– انشقاق مجموعة من الدستوريين بقيادة احمد المستيري عن الحزب الاشتراكي الدستوري الحاكم وطردهم من مؤتمره المنعقد سنة 1974
– محاكمة مجموعات من المعارضة السياسية والطلابية من اليسار الجديد ومن جماعة الوحدة الشعبية والقوميين :
– محاكمات 1973: 25
– 1974: 235
– 1975: 162
– أمام خنق الحريّات العامّة والسّياسيّة أصبح العمل النّقابي الملجأ الوحيد تقريبا لممارسة النشاط السياسي، وقد تدعّم الوعي النّقابي والطّبقي والسياسي بتكوين نقابة أساتذة التّعليم العالي ونقابة الأطبّاء
– اتفاقية جربة 1974 الوحدوية بين ليبيا وتونس وسرعة اجهاضها
– مبايعة بورقيبة رئيسا مدى الحياة 1975
– إصدار جريدة الرأي
– بروز “حركة الديمقراطيين الاشتراكيين”.
– تأسيس الرابطة التونسية لحقوق الإنسان 1977
– بداية الصراع على خلافة بورقيبة
ثانيا: العوامل المباشرة:
I. سياسيا: من الوفاق الى الاختلاف
1. الوفاق :مساندة القيادة لسياسة الحكومة والمنعرج:
مساندة الاتحاد في مؤتمره الرابع عشر شهر مارس 1977 للحزب والحكومة والزعيم بورقيبة
و أكد الزعيم النقابي الحبيب عاشور الأمين العام للاتحاد وعضو الديوان السياسي للحزب الحاكم، أثناء أشغال المؤتمر الذي التأم تحت عنوان “حرية وتقدم” موالاته لبورقيبة( ). وكان ذلك يعبر عن الانسجام والتفاهم في إطار”السياسة التعاقدية” كإطار “للتفاوض” و”لفض النزاعات الشغلية” و”معالجة مسائل الأجور ومطالب العمال” و”تحقيق السلم الاجتماعية”. لكن ذلك لم يمنع أن تشهد الأشهر التسعة الموالية نسقا متصاعدا من الخلافات والتوتر
2. المنعرج:
– زيارة الوفد النقابي بقيادة الحبيب عاشور إلى ليبيا، ما بين 14 و17 ماي 1977، لقد أثارت هذه الزيارة كثيرا من القلق لدى الوزير الأول الهادي نويرة
– وبدأ الخطاب النقابي يأخذ منحى متجذرا حيال الصعوبات الاجتماعية ومظاهر سوء التصرف وخاصة الزيادات الكبيرة التي شهدتها الأسعار في ربيع وصائفة 1977.
– تواتر اجتماعات الهياكل القيادية للمنظمة النقابية لتعلن وبصراحة متزايدة الوضوح رفض سياسة الحكومة والاستعداد لمواجهتها
– انعقاد الهيئة الإدارية الوطنية بتاريخ 15 سبتمبر 1977 والتي تمحورت أشغالها حول “الحملة التي تستهدف الاتحاد، وارتفاع الأسعار والاحتكار والمضاربات والثراء الفاحش، ووضع علاقات الاتحاد بالحزب ومستقبلها…” والتي مثلت منعرجا حاسما وبات الوضع ينذر بانفجار وشيك.
تفاقم الأزمة بفعل الأحكام الصادرة في حق بعض النقابيين والمشاركين في مظاهرة كانت جدّت بصفاقس يوم 9 سبتمبر 1977 ( )وخاصة على إثر أحداث قصر هلال التي جدت اثر اضراب عمال شركة « سوجيتاكس للنسيج ( )وتدخّل الجيش لأوّل مرّة لقمع العمّال المضربين بقصر هلال منذ يوم 10 أكتوبر 1977 و ما تلاها من أحداث عنف انتقلت إلى القرى و البلدات المجاورة. فقد بدأت الميليشيات الحزبيّة (ميليشيا الصياح)(1) تتحرّك و تهاجم دور الاتّحاد و المناضلين النقابيين و العمّال و بعد تهديد أحد ناشطيها (عبد الله الورداني) باغتيال عاشور في 26 أكتوبر 1977.
– ومنزل بورقيبة موفى شهر أكتوبر التي جرت خلالها مواجهات عنيفة بين أعوان البوليس والجيش من جهة والعمال وأهالي هاتين المدينتين من جهة ثانية.
– وأمام تصاعد نسق الأحداث ظلت اجتماعات الهيئات القيادية للاتحاد، المكتب التنفيذي والهيئة الإدارية الوطنية وندوات الإطارات القطاعية والجهوية مفتوحة واخذت نسقا نسقا متصاعدا وبدأت دائرة اهتماماتها تتسع لتشمل قضايا لم تكن تطرح من قبل بمثل تلك الجرأة والحدّة من ذلك:
– مراجعة علاقة الاتحاد بالحزب الحاكم
– مراجعة نظام الأجور
– مسألة توزيع ثروات البلاد وثمرة مجهود العمل
– قضايا الحريات وحرية الصحافة
– ضغط كبير من أجل اتخاذ موقف عملي تجاه التحرشات التي يتعرض لها الاتحاد والنقابيون.
– تزايد عدد الإضرابات لتشمل جميع القطاعات والجهات تقريبا.
– تزايد تمدد واتساع اعمال مليشيات الحزب(ملاحقة النقابيينفي الشوارع والاعتداء على بعضهم،الاعتداء على بعض مقرات الاتحاد…)
– الحملات الإعلامية المغرضة ضد الاتحاد
– وباكتشاف وجود نية أو مخطط لاغتيال الأمين العام الحبيب عاشور في مستهل شهر نوفمبر 1977 من قبل بعض غلاة حزب الدستور بالساحل ارتسم خط القطيعة النهائي بين الحكومة والاتحاد وبات من المألوف الحديث في الأوساط النقابية عن “التيار الفاشستي” و”عصابة اليد الحمراء الجديدة” و”نزعات الإرهاب والتصفية الجسدية”. وبالمقابل جندت الحكومة كل ما في حوزتها من وسائل إعدادا للمواجهة المحتومة.
– تعدد الإضرابات القطاعية (المناجم و سكك الحديد والتعليم نوفمبر 1977، التعليم، الإضرابات الجهوية احتجاجا على نية اغتيال الأمين العام).
– اعلان الحبيب عاشور الاستقالة من الديوان السياسي واللجنة المركزية للحزب وذلك أثناء انعقاد المجلس الوطني للاتحاد ايام 08-09-10 جانفي 1978 وانسحاب اغلب القيادة من الحزب( خير الدين الصالحي وحسين حمودية)..دعوة أ وامتد الانسلاخ عن الحزب الحاكم الى بقيت الاطارات النقابية
– دعوة الهيئة الإدارية الوطنية للاجتماع يوم 22 جانفي 1978 التي قررت شن اضراب انذاري ليوم 26 جانفي
– تواتر الاضرابات مثل الإضراب العام في قطاع الفلاحة والإضراب العام الجهوي بصفاقس يوم 25 جانفي 1978 احتجاجا على اعتقال الكاتب العام للاتحاد الجهوي عبد الرزاق غربال قبل يوم
II. على مستوى النظام:
– كان أمام الدّولة خياران لا ثالث لهما: إمّا أن تُلبّي مطالب الحركة الاجتماعيّة و السياسيّة و إمّا أن تواجه هذا الحراك بشتّى الطّرق كالانقلاب على المنظّمة النقابيّة أو تحييد قيادة الاتّحاد ممثّلة في أمينها العام أو اعتماد طريق القمع إن لزم الأمر. وأمام طبيعة الهيمنة التي ميّزت تاريخ العلاقة بين الحزب الدّستوري و المنظّمة الشّغيلة منذ عهد الاستعمار المباشر، فإنّ الحزب الحاكم اختار الخيار الثاني و حاول أن يُعيد ممارسة سياسة الانقلاب(7) على قيادة المنظّمة العمّاليّة.
– بروز اختلافات عميقة داخل الفريق الحاكم بخصوص كيفية معالجة الأوضاع اذ برز ما يطلق عليهم بصقور الحزب الحاكم (الهادي نويرة وعبد الله فرحات ومحمد الصياح وعامر بن عائشة وغيرهم…) يرى أن تجاوز الأزمة لا يتم إلا “بالضرب على أيدي العابثين” و”الصائدين في الماء العكر الذين في قلوبهم مرض”، في حين كان الفريق الأخر يفضّل طريق الحوار والتفاعل مع المطالب النقابية وتهدئة الأجواء وتلافي تعريض النظام للهزات (الطاهر بلخوجة، عزوز الأصرم…).
وكانت الغلبة ك للفريق الأول فتخلص الوزير الاول من وزير الداخلية الطاهر بلخوجة وزير الدفاع عبد الله فرحات قبل أن يقع تعيين الضاوي حنابلية، كما جيء بأحد جنرالات الجيش، زين العابدين بن علي مديرا للأمن مكان عبد المجيد سلامة.
اعتبر الاتحاد هذا القرار خطيرا ودليلا على الاتجاه نحو مزيد عسكرة الحياة المدنية تبعته تطورات كبيرة أهمها استقالة عدد من الوزراء احتجاجا على هذه الخطوة وانفتح المجال على مصراعيه لمرحلة جديدة، مرحلة الحسم العنيف: الإضراب العام ومواجهته بأقصى درجات العنف من طرف البوليس والجيش ومليشيات الحزب الحاكم.
III. بداية المواجهة والمجزرة:
1. الاعتقالات قبل 26 جانفي:
لقد جرت الاعتقالات والمداهمات على امتداد أيام قبل الإضراب وخلاله وبعده وبطبيعة الحال أودع الجميع السجن قبل أن يمروا من مخافر وسراديب وزارة الداخلية ومحلات “أمن الدولة” حيث مورست عليهم شتى أشكال التعذيب. وانتصبت المحاكم لمقاضاة أكثر من ألفي مواطن وشملت هذه المحاكمات إلى جانب النقابيين أفراد عائلاتهم وعددا كبيرا ممن أوقفوا أثناء وبعد المظاهرات من شبان وطلبة وتلامذة وعمال وعاطلين.
من ضحايا حكومة المرحوم الهادي نويرة في صراعه مع الاتحاد العام التونسي للشغل (الخميس الاسود26 جانفي 1978):
أ- الاعتقالات والمحاكمات
شملت الاعتقالات يوم 26 جانفي 1978 والأيام الموالية له القيادة النقابية (باستثناء خليفة عبيد الذي كان في مصحة للتداوي والتيجاني عبيد الذي انقلب على القيادة وقاد عملية التنصيب بعد أن أنكر، وتنكر، واستنكر قرار الإضراب العام.)كما شملت الاعتقالات عددا هاما من أعضاء الهيئة الإدارية الوطنية وكتابا عامين للاتحادات الجهوية والمحلية ومسؤولين من نقابات جهوية وأساسية ومناضلين نقابيين وعمال ناشطين وعددا كبيرا ممن ألقي عليهم القبض في الشارع أثناء المظاهرات والمواجهات التي شهدتها بعض دور الاتحاد.
ووصل عدد الذين تعرضوا للمحاكمة أمام محاكم الحق العام إلى 700 من النقابيين، أما الذين حوكموا أمام محكمة أمن الدولة فيقدر عددهم ب 130 ووصفت المحاكمات بالصورية وبأنها المسرحية. كما عرفت تلك الفترة سن قانون الخدمة المدنية الذي مكن السلطة من إنشاء المحتشدات الطلابية وإجبار الطلبة على العمل في المشاريع الصحراوية بصفة إجبارية.
ب- الجرحى والقتلى (الشهداء): اعترفت الحكومة آنذاك (حكومة الهادي نويرة) بسقوط 52 قتيلا و365 جريحا في ما تحدثت تقارير أخرى مستقلة عن مقتل ما يزيد عن 400 شخص وجرح أكثر من ألف.
■ عبد اللطيف الحنّاشي ،استاذ التاريخ السياسي المعاصر والراهن.■
شارك رأيك