يقدم المرصد التونسي للتحول الديمقراطي بالتعاون مع مؤسسة فريدريش ايبارت – مكتب تونس قراءة سياسية-سوسيولوجية لإنتخابات 2022-2023 والمترشحين والفائزين فيها تحت عنوان: “شعوبية بلا شعب”
ويندرج هذا العمل ضمن نشاطات المرصد منذ سنة 2011 والّتي كان آخرها كتاب “الإغراء الشعبوي” “La Tentation Populiste” (2020) والّذي كان نتاجا لتقيّيم انتخابات سنة 2019 في ندوة مماثلة.انتخابات 2022-2023
هي انتخابات لبرلمان بدون صلاحيات، بدون أحزاب، بدون نساء، بدون شباب، بدون ناخبين.
هي شعبوية بدون شعب. فشعب قيس سعيد لا نجده الا في الخطب (شعب هلامي) وفايس بوك (شعب افتراضي) وفي عمليات سبر الآراء (شعب ممكن). هل هو عزوف أو مقاطعة ؟
تقول آن ميكسال Anne Muxel أن الامتناع عن التصويت ينقسم الى قسمين : قسم يعاقب المترشحين بالامتناع وقسم آخر لا يهتم بالسياسة. ولقد قسم هارلد ماكسوال Maxwell المجتمع الى ثلاث حلقات غير مهتمين بالسياسة ومهتمين وفاعلين. واذا اعتبرنا أنّ ما يقارب 50% من الناخبين في تونس لا يتنقلون للتصويت يبقى نصف آخر من المهتمين بالسياسة والذين شاركوا في الانتخابات من 2011 الى 2019 قد امتنعوا عن التصويت وهذه المقاطعة بعينها.
.
حافظ شقير قام بمتابعة كل المترشحين وقسّمهم الى ثلاث حلقات : الأولى تهتم بالعرض السياسي المتمثل في 1058 مترشح مع فرضية أنهم هم القاعدة الشعبية لـ25 جويلية. الحلقة الثانية خاصة باختيارات المصوتين أنفسهم لمن منحو أصواتهم والحلقة الثالثة الفائزين أنفسهم في الدورتين.
الحلقة الأولى : من هم المترشحون؟
العمر المتوسط للمترشحين : الرجال 47.1 سنة و41.5 سنة للنساء.
المستوى التعليمي : ما يقارب 94 من المائة لهم مستوى عال رجالا ونساء.
المهن تدور في أكبر نسبة (28.2%) حول المدرسة والتدريس. وتتمثل في معلمين ومتفقدين ومديري مدارس وقيّمين. وهم متواجدون في 78 بالمائة من الدوائر. تمثّل الأطر العليا 15 بالمائة بينما يمثل الموظفون والأطر العادية 11 بالمائة ويمثل رجال الأعمال 6 بالمائة ويمثل رؤساء البلديات 3،9 % من المترشحين. أمّا الفئات الأقل تمثيلا فهي التجار (1،5) والفلاحين (2،5) المحامين والعدول (2،7) والأطباء والصيادلة والبياطرة ( 2،7).
412 مترشّحا من 1058 لهم نشاط سياسي أو مدني
الحلقة الثانية : اختيارالناخبين
تدني نسبة الاقبال قياسية وأسبابها عديدة أهمها غياب الرهان وانشغال المواطنين بالمصاعب اليومية
ونسبة الشباب ضعيفة. وهي مفارقة بالنسبة لرئيس اعتمد خطابه أساسا على الشباب.
الدور الأول انتخب 23 مترشح على 1058 في الدورة الأولى منهم 10 في دوائر بمترشح واحد و 3 نساء. 58 بالمائة لم تتجاوز الأصوات الّتي تحصلوا عليها 2 بالمائة من عدد المسجلين. يتّجه التصويت نحو الكهول أكثر من الشباب ولذوي المستوى التعليمي أكثر من غيرهم.
ولكن أهم درس هو “تصويت القرب” Vote de proximité أي المرتبطة بالمدرسة (المعلم والقيم…) (بنسبة 28،6) أو بالبلدية (رئيس أو عضو) (28،6). صوت الناخبون بنسبة 26 بالمائة للأطر العليا وبنسبة 24 لرجال الأعمال. فئات همشت: المتقاعدين، العمال، الحرفيين، العاطلين عن العمل.
الحلقة الثالثة : الفائزون من هم؟
لم ترتفع نسبة المشاركة بطريقة ملحوظة فيما بين الدورين. حسّن جلّ المترشحين نسبهم الاّ أنها لم تكن كافية لإضفاء نوع من الشرعية على المنتخبين حيث لم يتحصل 21 من 131 مترشّحا (أي 16 بالمائة) على أكثر من 10 بالمائة من الأصوات.
الخاسرون : المرأة (25 منتخبة أي 16 بالمائة) والشباب (7 بالمائة بالنسبة للفئة العمرية تحت 35 سنة).
العمر: 35،7% بالنسبة للفئة العمرية بين 35 و44 سنة، و37،1 % بالنسبة للفئة العمرية بين 45 و54 سنة و 17 بالمائة بالنسبة للفئة العمرية بين 55 و64 سنة. وبالنسبة للمرأة 52 بالمائة في الفئة العمرية بين 35 و44 سنة.
المستوى التعليمي : عال بالنسبة لـ86،3 بالمائة، 5 بالمائة مستوى ثانوي و6،9 بالمائة تكوين مهني.
من زاوية الوضع المهني، أقل من الثلث لهم علاقة بالمدرسة وقطاع التعليم بالمفهوم الواسع بما فيهم المدرسيين الجامعيين.
12 بالمائة من الإطارات. المهن النبيلة (طبيب، صيدلي، مهندس…) لا تمثل سوى ما بين 6 و7 بالمائة كما مثلت أيضا المهن المرتبطة بالبلدية (رئيس، مستشار..) ما بين 6 و7 بالمائة. وكذلك أيضا رجال الأعمال (ما بين 6 و7). نلاحظ غياب التجار والفلاحين.
الوجه السياسي للبرلمانيين
غير واضح اطلاقا. 10 بالمائة لهم نشاط نقابي. ثلث البرلمانيين لهم نشاط في المجتمع المدني. ولكن العلاقة مع الأحزاب أكثر غموضا. المترشحون أخفوا صفاتهم الحزبية بدليل أن هيئة الانتخابات لم تصرح الا بـ23 متحزبا منهم 12 من حركة الشعب. وبعد الانتخابات تعالت أصوات رؤساء الأحزاب. فصرح حراك 25 جويلية أنه تحصل على 80 مقعد (مع العلم أنه الوحيد الذي اصدر قائمة ب137 مترشح في الدور الأول) والأمين العام لحركة الشعب بأن حزبه قد فاز ب40 و رئيس حزب التيار الشعبي ب 42….
خاتمة
نحن أمام نظام أقصى الأحزاب وهمّش الشباب والمرأة. فالنسبة المتدنية للمشاركة، وعدم تجانس البرلمانيين ونوعيتهم الاجتماعية وديناميكية الانتخابية مؤشر خطير على الفراغ السياسي الذي دخلت فيه تونس والذي سيغذي تدخل المال الفاسد والولاءات العشائرية. ويطرح تساؤلات حول جدوى انتخاب مجلس الأقاليم.
لقد نشأت الشعبوية في ظلّ خواء ديمقراطي جراء فقدان الثقة في الأحزاب وانتهت بخلق فراغ سياسي يفقدها انخراط الشعب في مشروع بدون أفق.
شارك رأيك